لا شك أن مصافي النفط في السودان من الركائز الحيوية لقطاع الطاقة؛ إذ شكّلت لعقودٍ مصدرًا رئيسًا لتلبية الطلب المحلي على المشتقات النفطية، غير أن الحرب الدائرة وتراجع الاستثمار تسببا في توقف معظمها. وتعتمد البلاد اليوم على مصفاتي "الجيلي" و"الأبيض" لتأمين بعض احتياجات السوق المحلية، خلال وقتٍ تتجه فيه الحكومة إلى خطط إعادة بناء المرافق المتضررة واستقطاب شركاء دوليين لإحياء الصناعة. ووفقًا لبيانات حديثة لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، تضم شبكة مصافي النفط في السودان 6 مصافٍ بطاقة إجمالية 144 ألف برميل يوميًا، إذ تمتلك الخرطوم 3 مصافٍ رئيسة و3 منشآت صغيرة، لكن الطاقة التكريرية الفعلية تراجعت بشدة خلال العامين الأخيرين بعد تعرض منشآت رئيسة للتدمير أو الإغلاق. وتُشير تقديرات وزارة الطاقة والنفط إلى أن البلاد تعمل حاليًا بنحو 15 إلى 20% فقط من قدرتها السابقة، في ظل تزايد الاعتماد على الواردات لتغطية الطلب على البنزين والديزل وغاز النفط المسال. ورغم هشاشة الأوضاع الأمنية؛ فإن الحكومة تبحث عن مسارات لتعويض النقص، سواء عبر التعاون مع الصين لتأهيل المصافي المتضررة أو بناء وحدات جديدة في المواني الساحلية؛ ما قد يمهّد لمرحلة إعادة إحياء البنية التحتية للطاقة بعد سنوات من التراجع. وفي هذا السياق؛ فإن المحادثات مع شركات صينية تجددت خلال النصف الثاني من عام 2024 لإنشاء مصفاة جديدة في بورتسودان بطاقة 150 ألف برميل يوميًا، موجهة جزئيًا لتصدير المنتجات إلى إثيوبيا ودول الجوار غير الساحلية. مصفاة الجيلي تُعدّ مصفاة الجيلي، أو مصفاة الخرطوم، أكبر مصافي النفط في السودان وأحدثها نسبيًا؛ إذ أنشئت عام 2000 بشراكة بين وزارة الطاقة ومؤسسة البترول الوطنية الصينية. بدأت المصفاة بطاقة 50 ألف برميل يوميًا، قبل توسعتها إلى 100 ألف برميل يوميًا، وكانت تُغطي نحو نصف احتياجات السودان من المشتقات النفطية حتى اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023. وتعرّضت المصفاة لأضرار جسيمة نتيجة الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع؛ ما أدى إلى توقفها المتكرر وخروج أجزاء من وحداتها عن الخدمة. مصفاة الخرطوم (الجيلي) - أرشيفية وترتبط مصفاة الجيلي بخط أنابيب يمتد إلى ميناء بشائر على البحر الأحمر بطول 1610 كيلومترات؛ ما يجعلها مركزًا رئيسًا في منظومة النقل والتصدير. ورغم أهمية المصفاة، يبقى مستقبل تشغيلها رهينًا بتسوية النزاع الداخلي واستقرار شبكة الكهرباء والإمدادات؛ إذ تُعد إعادة تشغيلها على نطاق واسع أحد أهم أهداف وزارة الطاقة في خطتها للعامين المقبلين. مصفاة بورتسودان يبدأ تاريخ مصافي النفط في السودان من مصفاة بورتسودان، التي تأسست عام 1964 بشراكة بين الحكومة وشركة شل بطاقة تصميمية بلغت 25 ألف برميل يوميًا، لتكرير النفط الخفيف المستورد من السعودية والعراق. وقد أسهمت المصفاة لعقود في تأمين البنزين ووقود الطائرات والمازوت وغاز النفط المسال للسوق المحلية. لكن المصفاة فقدت أهميتها بعد إنشاء مصفاة الخرطوم، وتراجعت قدرتها التشغيلية إلى نحو 21.7 ألف برميل يوميًا قبل توقفها الكامل في أواخر التسعينيات. وفي عام 2024، أُعيد طرح مشروع تحديثها بالتعاون مع الصين ضمن خطة حكومية لإنشاء مصفاة حديثة بطاقة 150 ألف برميل يوميًا، تعتمد على الخام المستورد وتستهدف -أيضًا- التصدير الإقليمي. ويُنظر إلى هذا المشروع بوصفه خطوة إستراتيجية لإعادة السودان إلى خريطة التكرير الإقليمية، مستفيدًا من موقع بورتسودان البحري الذي يتيح الوصول إلى أسواق البحر الأحمر وشرق أفريقيا. مصفاة الأبيض تُعدّ مصفاة الأبيض، الواقعة شمال مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان بغرب السودان، من المنشآت القليلة العاملة في الوقت الحالي؛ إذ أنشئت عام 1996 بطاقة 10 آلاف برميل يوميًا، ارتفعت لاحقًا إلى 15 ألف برميل يوميًا، لتكرير النفط الخام المنتج محليًا في ولايات كردفان. وتنتج المصفاة وقود الفيرنس -نوع من زيت الوقود الثقيل يُستعمل في محطات الكهرباء، والجاز أويل (المازوت) والكيروسين والنافثا، بجانب منتج الديزل (خليط من الجاز أويل والكيروسين والفيرنس)، الذي يستعمل في محطات توليد الكهرباء الحرارية لولايات دارفور الكبرى والنهود وكادقلى. وتُدرس حاليًا خطط لتوسعتها إلى 30 ألف برميل يوميًا بهدف زيادة إنتاج المنتجات الخفيفة، إذ يُعدّ هذا المشروع من بين المبادرات الجاهزة للاستثمار، بحسب وزارة الطاقة، ما يمنح الأمل بإمكان رفع القدرة التكريرية تدريجيًا إذا توفرت بيئة استثمارية مستقرة. مصفاة الأبيض في السودان - الصورة من موقعها الإلكتروني شبكة مصافي النفط في السودان إلى جانب المصافي الرئيسة، يضم السودان عددًا من المرافق الصغيرة، هي: مصفاة أبو جابرة: أُنشئت عام 1992 بطاقة 2000 برميل يوميًا. مصفاة كونكورب (شجرة): أُنشئت عام 1999 بطاقة 5 آلاف برميل يوميًا. مصفاة العُبيد: بطاقة 10 آلاف برميل يوميًا وتشغلها شركة سودابت الوطنية. لكن هذه المرافق متوقفة حاليًا عن العمل نتيجة تدهور البنية التحتية ونقص التمويل وغياب الأمن في مناطق الإنتاج. فجوة الإمدادات في السودان أدى تراجع طاقة مصافي النفط في السودان إلى زيادة الاعتماد على استيراد المشتقات النفطية من الخارج، ولا سيما البنزين وغاز النفط المسال ووقود الديزل. وتُقدّر الفجوة بين الإنتاج المحلي والاستهلاك بنحو 60 إلى 70%، ما يجعل الحكومة مضطرة لتغطية العجز عبر المواني أو عبر اتفاقات توريد مع دول الجوار. وفي المقابل، يسعى السودان إلى استغلال موقعه الإقليمي لتطوير صناعة التكرير بغرض التصدير مستقبلًا، مستفيدًا من الطلب المتنامي على الوقود في شرق أفريقيا ووسطها. غير أن تحقيق هذا الهدف يتطلب أولًا إعادة تأهيل مصافي النفط في السودان، التي تضررت بسبب الحرب، وضمان تدفقات الخام بشكل آمن ومستقر من الحقول المنتجة في كردفان ودارفور وحقول هجليج. وفي سياق متصل، ينتج السودان وجنوب السودان 3 أنواع رئيسة من النفط الخام، هي: دار، والنيل، والفولة، ويُعدّ خام دار ثقيلًا منخفض الكبريت، مرتفع الحموضة؛ ما يجعله صعب المعالجة في المصافي، ويُستخرج من المربعات 3 و7 في حوض ملوط بجنوب السودان. أما خام النيل؛ فهو متوسط الكثافة وأكثر ملاءمة لمصافي النفط في السودان بفضل مردوده العالي من الوقود، ويُنتج من المربعات 1 و2أ و2ب و4 و5أ في حوض المجلد، في حين يُنتج خام الفولة من المربع 6 في الحوض ذاته، ويُوجَّه أساسًا للاستهلاك المحلي. أحد حقول النفط في السودان - أرشيفية وتُعد شبكة أنابيب النفط في السودان من أهم ركائز البنية التحتية للطاقة، إذ يمتلك البلد 6 خطوط رئيسة؛ منها 4 لنقل الخام و2 للمنتجات النفطية. ويُعدّ خط بورتسودان–الخرطوم، الذي أُنشئ عام 1976، من أقدمها وأكثرها حيوية، إذ يعمل في اتجاهين لتصدير الفائض من البنزين ونقل المنتجات إلى الأسواق المحلية. كما يُعدّ خط هجليج–بشائر، الذي يمتد لمسافة 1506 كيلومترات بطاقة 450 ألف برميل يوميًا، شريان التصدير الأبرز للخام السوداني. مستقبل مصافي النفط في السودان رغم التحديات؛ فإن مصافي النفط في السودان تبقى محورًا أساسيًا لإعادة بناء الاقتصاد الوطني في مرحلة ما بعد الحرب، إذ يتيح تطويرها تقليل واردات الوقود وتحقيق الاكتفاء الذاتي. وتُعوّل الحكومة على استثمارات صينية وخليجية مرتقبة لإعادة تشغيل المرافق المتوقفة وبناء وحدات جديدة في بورتسودان والأبيض. ومع امتلاك السودان شبكة أنابيب تمتد إلى البحر الأحمر، فإن استعادة قدرة التكرير تمثل بوابة رئيسة لتحقيق الاستقرار الطاقوي والمالي في البلاد خلال السنوات المقبلة. موضوعات متعلقة.. حكاية أول مصفاة نفط في السودان.. وعلاقتها بالسعودية والعراق اتفاق نفطي بين السودان وروسيا يشمل الحماية حقول النفط والغاز في السودان.. رصد موثق للاحتياطيات والإنتاج (ملف خاص) أين يذهب النفط السوداني بعد حظره في الإمارات؟.. قائمة بأكبر المستوردين نرشّح لكم.. تقارير وملفات خاصة من وحدة أبحاث الطاقة تقرير مستجدات أسواق الغاز المسال العربية والعالمية المصادر: ببيانات مصافي النفط في السودان، من إدارة معلومات الطاقة الأميركية. طاقة مصافي النفط في السودان، من وزارة الثقافة والإعلام. بيانات مصفاة الأبيض، من موقعها الرسمي.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه






