طرح الشركات الناشئة في أسواق الأسهم .. استثمار واعد أم مقامرة خاسرة؟

في عام 2019، دخلت شركة ناشئة عالم الطرح العام بأسواق الأسهم، حاملةً أحلام المستثمرين بطموحات غير محدودة في إعادة تعريف مفهوم المكاتب والعمل المشترك.
كانت تقديرات قيمتها تصل إلى 47 مليار دولار أمريكي، وتنبأت وسائل الإعلام بأنها ستكون نموذجًا للنجاح المبهر في عالم الشركات الناشئة.
لكن بعد أيام قليلة من الطرح في وول ستريت انهارت التوقعات، وانكشفت مشاكل الشركة، لتتهاوى الأسهم وتتبخر مليارات الدولارات من ثروة المستثمرين، وفي نوفمبر 2023 تقدمت الشركة بطلب للإفلاس، بعد أن تراكمت عليها ديون ضخمة بلغت 2.9 مليار دولار أمريكي.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
قصة هذه الشركة "وي ورك" تركت الجميع أمام سؤال صادم: هل كان هذا الاستثمار فرصة ذهبية، ولكن تعثر في وقت لاحق أم كان مجرد مقامرة خاسرة؟
هذه القصة مثال حي على المخاطر الكامنة في عالم طرح الشركات الناشئة، الذي يمزج بين الابتكار والطموح المالي، وبين الخطر المحتمل.
في المقابل ينظر الكثيرون للشركات الناشئة باعتبارها فرصة مالية تجذب المستثمرين من حول العالم، وهو ما أدى إلى تزايد عدد الشركات الناشئة التي تطرح أسهمها في البورصات.
لماذا الشركات الناشئة جاذبة للمستثمرين؟
تتمتع الشركات الناشئة بقدرة استثنائية على إدخال تغييرات جذرية في الأسواق التقليدية، وهو ما يجعلها محل اهتمام المستثمرين الباحثين عن فرص متميزة.
ففي مجالات مثل التكنولوجيا، والطاقة الخضراء، والتكنولوجيا الحيوية، غالبًا ما تقدم هذه الشركات منتجات وخدمات غير مسبوقة تحل مشكلات قائمة أو تخلق أسواقًا جديدة بالكامل.
ولعل شركة تسلا الأمريكية نموذجًا بارزًا لهذا الأمر، إذ أعادت تعريف صناعة السيارات الكهربائية بالكامل، حيث لم تعد السيارات الكهربائية خيارًا مستقبليًا فحسب، بل أصبحت منافسًا مباشرًا للسيارات التقليدية.
كما يمثل الاستثمار المبكر في الشركات الناشئة فرصة مغرية لصناديق رأس المال المغامر والمستثمرين الأفراد.
فالحصول على حصص في مرحلة النمو المبكر يمكن أن يؤدي إلى عوائد ضخمة عند نجاح الشركة وطرحها العام، ومثل هذه المكافآت المحتملة تُحفز المستثمرين على تحمل المخاطر، على الرغم من أن احتمالات الفشل غالبًا ما تكون مرتفعة في عالم الشركات الناشئة.
وفي عام 2008 تأسست شركة إير بي إن بي في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، بهدف توفير منصة تسمح للأفراد بتأجير منازلهم أو غرفهم للمسافرين كبديل للفنادق التقليدية.
منذ بدايتها، ركزت الشركة على الابتكار في قطاع الضيافة، لتغيير طريقة تفكير الناس حول السفر والإقامة حيث دخل المستثمرون الأوائل مثل صناديق سيكويا كابيتال وغريلوك بارتنرز في مراحل التمويل المبكر للشركة.
واستفاد المستثمرون الأوائل من نمو سريع وقيمة سوقية واعدة حيث بلغت تقييمات الشركة أكثر من 31 مليار دولار قبل الطرح العام وعند طرح أسهم الشركة في ديسمبر 2020 بلغ تقييمها نحو 100 مليار دولار أمريكي، ما منح المستثمرين الأوائل عوائد ضخمة.
على الجانب الآخر لا يقتصر الطرح العام على جمع الأموال، بل يمنح الشركة فرصة للتعريف بنفسها في الأسواق وزيادة وضوحها أمام العملاء والشركاء الاستراتيجيين.
فالشركة تصبح أكثر شهرة، ما يفتح لها فرصًا لتوسيع قاعدة العملاء، جذب استثمارات إضافية، مثلما حدث مع شركة سبوتيفاي السويدية، عند طرحها العام في 2018.
ولم تكتف بجمع الأموال من المستثمرين، بل زاد ظهورها العالمي بشكل كبير، ما ساعدها على توقيع شراكات استراتيجية مع شركات مثل أوبر وسامسونج، وزيادة قاعدة مستخدميها.
المخاطر والتحديات
في المقابل هناك العديد من المخاطر والتحديات التي تواجه المستثمرين في طرح الشركات الناشئة على رأسها التقلبات العالية، إذ غالبًا ما تشهد أسهم الشركات الناشئة تقلبات شديدة في الأسعار، خصوصًا خلال السنة الأولى بعد الطرح.
المخاطر الرئيسية في طرح الشركات الناشئة
نوع الخطر
تفاصيل
مثال واقعي
تقلبات الأسعار
هبوط حاد للأسهم بعد الطرح
كوينبيز
غياب السجلات التاريخية
صعوبة تقييم الشركة
سنو فليك
التكاليف التنظيمية
عبء الامتثال للقوانين
أوبر بعد الطرح 2019
المنافسة الشرسة
فقدان حصة السوق سريعًا
زوماتو في الهند
على سبيل المثال، بعد طرح شركة كوينبيز الأمريكية لتداول العملات الرقمية في بورصة ناسداك عام 2021، شهد سهمها قفزة أولية وصلت قيمتها السوقية إلى نحو 85 مليار دولار، لكنه فقد أكثر من نصف قيمته خلال عام واحد بسبب تقلبات سوق العملات المشفرة.
ويمثل غياب السجلات التاريخية عنصر آخر من عناصر مخاطر الاستثمار في الشركات الناشئة، فعلى عكس الشركات الكبرى ذات الخبرة الطويلة، قد تفتقر الشركات الناشئة إلى بيانات مالية ممتدة أو نماذج أعمال مستقرة، مما يصعّب على المستثمرين تقييمها بدقة.
كما تشكل التكاليف التنظيمية واحدة من أبرز تحديات الطرح العام مثل إعداد تقارير دورية دقيقة والامتثال لمعايير المحاسبة الدولية، وهو ما يشكل عبئًا ماليًا وتشغيليًا على الشركات الناشئة.
على سبيل المثال، واجهت شركة أوبر الأمريكية بعد طرحها في 2019 ضغوطًا تنظيمية كبيرة في أسواق متعددة (مثل أوروبا والهند) تتعلق بحقوق السائقين والضرائب، وهو ما أثر على تركيز الشركة ورفع تكاليفها التشغيلية.
أرقام ومؤشرات
أشارت دراسة نُشرت في عام 2023 إلى أن نحو 45% من الشركات التقنية المدرجة في بورصة ناسداك خلال السنوات الخمس التي سبقت الدراسة لم تتمكن من تحقيق توقعات المستثمرين فيما يتعلق بالعائدات والنمو.
على سبيل المثال، واجهت منصة تداول الأسهم الأمريكية روبن هود تراجعًا كبيرًا في سعر سهمها بعد طرحها في 2021، حيث فقد أكثر من نصف قيمته خلال العام الأول، نتيجة مخاوف تتعلق بنموذج الإيرادات والمخاطر التنظيمية.
ورغم التقلبات، فإن بعض الشركات الناشئة في قطاع الطاقة المتجددة أثبتت أنها قادرة على تحقيق عوائد عالية للمستثمرين الأوائل.
على سبيل المثال، سجلت شركة إنفيس إنرجي الأمريكية المتخصصة في أنظمة الطاقة الشمسية عوائد سنوية فاقت 20% خلال الفترة ما بين 2018 و2022، مستفيدة من التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة والدعم الحكومي.
كما تختلف طبيعة الطروحات من منطقة إلى أخرى فمثلا تميل الطروحات في أوروبا إلى أن تكون أكثر تحفظًا واستقرارًا، مع خضوعها لإجراءات تنظيمية صارمة تجعل الشركات المطروحة أكثر نضجًا قبل دخولها الأسواق.
أما في الأسواق الناشئة مثل الهند والبرازيل، فتتميز الطروحات بقدرتها على تحقيق معدلات نمو أسرع، لكنها في المقابل تحمل مخاطر أعلى نتيجة تقلبات اقتصادية وسياسية.
فعلى سبيل المثال، شهدت شركة التجارة الإلكترونية الهندية زوماتو ارتفاعًا ملحوظًا في قيمتها السوقية بعد الطرح في 2021، قبل أن تتراجع لاحقًا بسبب المنافسة الحادة وتذبذب هوامش الأرباح.
مفاتيح نجاح طروحات الشركات الناشئة
نجاح أي طرح أولي يعتمد على مدى صلابة نموذج أعمال الشركة وقدرتها على تحويل النمو السريع إلى إيرادات مستدامة.
كما يلعب فريق قيادة الشركة المطروحة دورًا محوريًا في جذب المستثمرين، فثقة السوق في إيلون ماسك كانت عاملاً رئيسيًا في نجاح طروحات تسلا وتحولها من شركة ناشئة محفوفة بالمخاطر إلى إحدى أكبر الشركات عالميًا في صناعة السيارات الكهربائية.
في المقابل شكل ضعف الحوكمة وسلوكيات الإدارة في حالة وي ورك سببًا مباشرًا في انهيار تقييم الشركة من 47 مليار دولار إلى أقل من 10 مليارات خلال شهور.
توقيت الطرح يعد أحد العوامل الحاسمة، فقد استفادت شركات التكنولوجيا مثل زووم من طرحها عام 2019، أي قبل جائحة كورونا، ما جعلها من أكبر المستفيدين من التحول المفاجئ للعمل عن بُعد.
في نهاية المطاف، تظل الطروحات العامة للشركات الناشئة ميدانًا لاختبار شجاعة المستثمرين وعمق بصيرتهم، فهي تجمع بين وعد النمو الاستثنائي وخطر الانهيار المفاجئ، لتصبح ساحةً يختبر فيها رأس المال صبر أصحابه وفطنتهم.
لذلك، يظل السؤال مطروحًا أمام كل مستثمر: هل ستقف في صف من يقتنصون المستقبل، أم ستتجرع مرارة المقامرة الفاشلة؟
المصادر: أرقام- بورصة ناسداك- بي دابليو سي- فايننشال تايمز- الجارديان- بلومبرج- هارفارد بزنس ريفيو- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً