الإصلاح الإداري في مؤسسات الدولة السورية: وعود لم تترجم على أرض الواقع؟

مع مرور عام على سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، شهدت المؤسسات الحكومية السورية ازدحاماً متزايداً بين الوعود والشعارات المتعلقة بالإصلاح الإداري، إذ تعهدت الحكومة بإحداث نقلة نوعية في بنية الإدارة العامة عبر تحديث آليات العمل وتبسيط الإجراءات وإطلاق مشاريع التحول الرقمي.
لكن هذه الوعود لم تُترجم فعلياً على الأرض، ما تسبب بأزمة ثقة متصاعدة لدى الموظفين والمواطنين الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين الروتين التقليدي والأنظمة غير الفعّالة، في ظروف تزداد فيها الحاجة لتحسين الخدمات.
وخلال الأشهر الماضية، ازدادت الشكاوى من بطء تنفيذ القوانين المتعلقة بإعادة هيكلة المؤسسات، إذ ما تزال المعاملات الورقية تهيمن على أغلب الدوائر، فيما تتأخر إجراءات الأتمتة والرقمنة دون توضيح الأسباب.
هذا التباطؤ لم يعد مجرد خلل إداري، بل تحول إلى أزمة تمسّ تفاصيل الحياة اليومية لملايين السوريين، خصوصاً الموظفين الذين تتعطل أعمالهم والمواطنين الذين أصبحت معاملاتهم مرتبطة برحلة طويلة بين المكاتب، وسط غياب حلول واضحة أو مبررات رسمية للتأخير.
تفاقم الأزمة داخل المؤسسات
صدور قرار بإلزام المؤسسات بتسهيل دفع الرسوم والمعاملات إلكترونيًا لتقليل الازدحام وتسريع إنجاز المعاملات في بعض الوزارات والخدمات الحكومية، أعاد الأمل لكثير من المراجعين الذين ينتظرون إنجاز معاملاتهم المعلّقة منذ سنوات، وللموظفين الذين يأملون بتحديث طرق العمل.
موظفو قطاع عام في سوريا – انترنت
فور بدء تطبيق منظومة الدفع الإلكتروني، تعطل النظام لساعات طويلة، وتوقفت المعاملات بشكل كامل في المديريات، رغم أن أكثر من 70 بالمئة من المراجعين كانوا ينتظرون الحصول على موافقات قانونية مرتبطة بأعمالهم أو دراستهم، إذ بقي المراجعون عالقين دون إنترنت أو قدرة على متابعة معاملاتهم، بينما توقفت أيضاً الطوابير الورقية، ما جعلهم محاصرين بين نظام معطل وآخر بائد.
في هذا السياق، تقول أميرة فتاح، موظفة في قطاع التعليم، لـ “الحل نت“، إنها كانت تحاول الدفع إلكترونيا لإنجاز معاملة، لكن الرابط تعطل والرابط لم يعمل بسبب توقف النظام، حيث لم تتمكن من استكمال المعاملة.
وفي حادثة أخرى، يروي سامر خليل تجربته بعد أن ذهب إلى المخفر لتقديم شكوى رسمية حول سرقة منزله.
“تفاجئت بكمية الانفلات الداخلي، كل شخص فقد صيغته المعترف بها من عميد أو عقيد، وتحول كل واحد لشيخ فلاني، الإجراءات طويلة والفوضى كتير واضحة والمعاملات متراكمة، قدمت شكواي وبعد أسبوع رجعت أراجع، ولقيت كل أوراقي يلي ضليت اشتغل فيها يوم كامل لإنجازها ضاعت بين الوراق ببساطة.”
سامر خليل لـ “الحل نت”
في ظل هذه الظروف، يعيش موظفو المؤسسات العامة حالة من الإحباط بعد أن باتت وعود الإصلاح الإداري أشبه بخطابات متكررة دون نتائج ملموسة. تسببت تأخيرات المنظومة الجديدة في تراكم المراجعات وتأخر الرواتب في بعض المؤسسات، فيما يواجه بعض الموظفين خطر فقدان ترقياتهم أو تقييماتهم السنوية.
من بين هؤلاء الموظفين، أحمد دياب، موظف في احدى المؤسسات، الذي وجد نفسه محاصراً بين التعليمات الجديدة وتعطل الأنظمة. يقول لـ “الحل نت“، إن الموظفين باتوا ينفذون قرارات من دون فهمها، إذ تصل يوميا تعميمات بخصوص الرقمنة، لكن من دون تجهيزات وأدوات، موضحا أنه لا تتوفر أجهزة حاسوب كافية ولا انترنت. وأضاف: “بالنهاية المواطن هو يلي بيتحمل غضب التأخير”.
ويرى دياب أن الموظفين وقعوا ضحية خلل بنيوي لا علاقة لهم به، لافتا إلى أن “كل تأخير عم يخلق مشاكل بيننا وبين الناس، نحنا بالنهاية واجهة نظام غير جاهز أساساً”.
المواطن بين الخدمة والانتظار
المواطنون المتعاملون مع الدوائر الحكومية يواجهون معاناة مضاعفة، إذ تتأخر معاملاتهم لشهور بسبب الروتين أو توقف المنصات أو غياب الموظفين، في وقت لا تتوفر فيه أي تسهيلات للمعاملات العاجلة أو الحالات الإنسانية.
أشخاص ينتظرون في مبنى حكومي بإحدى ضواحي دمشق- 8 كانون الثاني 2025 -“رويترز”
في دمشق، علقت عائلة منذ أسبوع بعد أن جاءت لإنجاز معاملة تقاعد، دون أن تتمكن من إنهائها بسبب توقف الأرشفة الإلكترونية.
يقول أبو رامي لـ ”الحل نت”: “جينا نخلص معاملة تقاعد زوجتي، وبعد ما خلصنا الأوراق قالوا الملف مو ظاهر بالنظام، وما منعرف إذا لازم نرجع بعد يوم أو بعد شهر، قاعدين عند قرايبنا وما معنا إمكانية نضل أكتر.”
أمام هذا الواقع، تتعدد التبريرات الرسمية التي تربط التأخير بـ“تحديث الأنظمة” أو “المرحلة التجريبية”، في حين يرى كثير من السوريين أن المشكلة تجاوزت الأعطال التقنية لتصبح خللاً بنيوياً مرتبطاً بالفساد وضعف الرقابة.
ورغم اختلاف الآراء، يتفق الجميع على أن مسار الإصلاح الإداري لم يعد مجرد برنامج حكومي، بل تحول إلى ملف معلق تتنازعه القرارات المتناقضة بين إطلاق منصات جديدة وتعليق أخرى، دون توضيح رسمي حول الجهة المسؤولة عن التنفيذ أو التأخير.
ففي كل شهر تقريباً، تُعلن خطة جديدة أو منصة جديدة أو نظام جديد، دون أن يظهر تأثير ملموس في المؤسسات على الأرض، ما يجعل آلاف الموظفين والمواطنين عالقين بين القرارات بانتظار تعليمات غير واضحة أو أطر زمنية محددة.
وبين مشاريع تُطلق فجأة ثم تتوقف، تبقى معاناة المواطنين والموظفين هي الثابت الوحيد، فيما يظلّ الإصلاح الإداري مجرد عنوان كبير ينتظر من يحوّله إلى واقع.
معظم المؤسسات التي يُفترض أن تستفيد من التحول الرقمي تقع داخل المدن الرئيسية مثل دمشق وحلب وحمص، ومع ذلك ما تزال تعتمد على المعاملات الورقية بنسبة تتجاوز 80 بالمئة بحسب تقديرات غير رسمية، كان يُفترض أن تنظّم الرقمنة تدفق المعاملات وتخفف الاحتكاك المباشر، لكنها حتى الآن مجرد مرحلة تجريبية غير مكتملة داخل عدد محدود من الدوائر.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً





