"ليست مجرد تجارة".. سوري ينقل زيت زيتون جده من عفرين إلى هولندا
عاش جاك داليه لسنوات مع عائلته في جنوب روتردام دون أوراق إقامة، وكان والداه قد فرا من سوريا قبل ثلاثين عاماً.
الآن، أصبح جاك طالب "الاقتصاد السلوكي"، الشاب العشريني رائد أعمال، وقد التقى هذا الصيف بجده أخيراً في وطنه الأم.
خلال تلك السنوات العصيبة، تنقلت العائلة ثلاث عشرة مرة بين مأوى في هولندا وألمانيا، كما يقول جاك وفق شبكة "ان او اس" ويضيف: "ثم، في لحظة ما، عدنا إلى هولندا.. إلى محطة لاهاي المركزية. لن أنسى ذلك أبداً. سئمنا من التنقل ذهاباً وإياباً لدرجة أننا تخلصنا من جميع حقائبنا. قال والدي: هذا كل شيء، لا تحملوا أي شيء بعد الآن".
في عام 2021، عندما بدأ جاك دراسته الجامعية في لاهاي، فكر والده قائلاً: "من الغريب أن تسافر الآن إلى محطة لاهاي المركزية كل يوم.. لأننا ظننا ذات يوم أن حياتنا قد انتهت هناك.. وأننا لن نملك مستقبلاً لأطفالنا".
في النهاية، وجدت العائلة مسكناً في كاتندريخت، يقول "كان الأمر أيضاً غير قانوني، إذ كان من الممكن ترحيلنا في أي لحظة.. لكن بعد فترة كانت أول مرة أفكّر فيها بأن هذا هو موطني. خاصةً بعد حصولنا على تصريح إقامة عام 2010".
على الطاولة في "دار بلفيدير" في كاتندريخت، ثلاث زجاجات أنيقة من زيت الزيتون، بأحجام مختلفة، ويروي جاك قصته هناك على بُعد حوالي مئة متر من المنزل الذي نشأ فيه مع والديه وأخواته.
يأتي زيت الزيتون في زجاجات من عفرين، من بساتين جده، الذي لم يكن يتبادل معه سوى أحاديث هاتفية قصيرة حتى وقت قريب.
هذه هي الزجاجات التي يبيعها جاك بنفسه منذ ربيع هذا العام، معبأة بعناية وتحمل صورة جده.
في المنزل ينفد زيت الزيتون دائماً في لمح البصر "حتى أننا نقلي فيه"، يضحك جاك "في أحد الأيام فكرت: هذا جيد جداً لدرجة أنه لا يبقى في المنزل.. لما لا نشاركه مع هولندا؟".
أثارت هذه الفكرة دهشة عائلته "من ينتظر ذلك؟" لكن جاك كان لديه خطط يؤمن بها.
بدأ الحصاد في سوريا في تشرين الأول 2024 وبعد خمسة أشهر فقط، في ربيع عام 2025، وصل زيت الزيتون إلى روتردام "كان لا بد من توقيت كل شيء بدقة. عندما أمسكت بها، فكرت: هذا حقيقي.. أبيع زيت زيتونه منذ ذلك الحين. ما زلت أشعر وكأنها البداية، لكن الزجاجات موجودة: أنيقة، واسم جدي على الملصق".
في تلك الفترة كان الزيت موجوداً بالفعل في هولندا، لكن جاك نفسه لم يطأ أرض سوريا إلا في صيف عام 2025.
زيارة الوطن بعد 30 سنة: "بكاء ودموع"
لسنوات، أرادت العائلة العودة، لكن الحرب وإغلاق الحدود حالا دون ذلك، الصيف الماضي، تجرأوا أخيراً - جاك ووالدته وشقيقته - ويقول جاك "لم أعرف سوريا إلا من قصص والديّ وصور الأخبار: الحرب والدمار وبشار الأسد".
بالنسبة لأمه، كانت العودة الأصعب، رأت والدها مجدداً بعد ثلاثين عاماً "بمجرد أن رأته في المطار، انفجرت بالبكاء وقبلت قدميه" وفق جاك.
جده يبلغ من العمر 88 عاماً، لكنه ما يزال يتجول بين بساتين الزيتون في عفرين يومياً ويقول جاك: "صعوداً ونزولاً، بين الحجارة.. إنه لأمرٌ لا يُصدق كيف لا يزال يتمتع بلياقة بدنية عالية".
امتلكت العائلة هناك 800 شجرة منذ أجيال بالنسبة لجاك، الزيت أكثر من مجرد تجارة، إنه "إرث".
ويقول: "سأرث بعضاً منه.. وعندما ترث شيئاً كهذا، عليك أن تُقدّره وتحميه. وهذا ما سأفعله!".
عائدات شهرية إلى سوريا
يريد إرسال عائدات قوارير زيت الزيتون إلى سوريا ويقول: "هناك حاجة ماسة: تنظيف القمامة، وتنظيف الآبار، وأدوات أفضل. وفوق كل شيء، أجر جيد.. 400 دولار شهرياً... أجد هذا المبلغ زهيداً جداً.. عندما تعمل في هذا الحر، في بلدٍ مُنهك، فإنك تستحق الأفضل.. أريد المساهمة في ذلك".
قبل أيام قليلة من مغادرته إلى سوريا، كان جاك في مهرجان "لولاندز" "كنت أقف على مسرح ألفا حاملاً زجاجة بيرة، أستمع إلى موسيقى أحبها، وفجأة خطر ببالي: يا إلهي، سأكون في سوريا الأسبوع المقبل.. لاحقاً، كدتُ أشعر بالذنب.. أعتقد أنني دفعتُ 350 يورو ثمناً للتذكرة، بينما الناس هناك سيكونون سعداء بكسب هذا المبلغ شهرياً".
تُظهر زجاجاته صورة جده، وهو منحني كعادته، جلب جاك معه قارورة زيت ليعطيها لجده "قلتُ: يا جدي، هذه لك، لكن عليك استخدامها. وضعها بجانب سريره، على رف. بالنسبة له، لم تكن زجاجة زيت، بل رمز، للأسف، لم تُفتح هذه الزجاجة"، يقول جاك.
إلى جانب دراسته للاقتصاد السلوكي في جامعة إيراسموس، يُطوّر جاك مشروعه تدريجياً "كنت أعلم أن لديه حظوظ.. لم يكن والدي يؤمن بها، لكنني فكرت: هذا سينجح. لأنه جيد جداً".
يُوضّح جاك أن الزيت معصور على البارد، نقي، وأكثر كثافة من غيره "ذو نكهة مميزة يشرب والدي كوباً منه كل ليلة. وأنا أغمسه بالخبز مع الزعتر".
ومنذ ذلك الحين، اقتنع والده "عندما سارت الأمور على ما يُرام في مهرجان بأمستردام، قال: هذا بفضلك حقاً. كان ذلك يعني لي الكثير".
خلال وداعه في سوريا، قال جده شيئاً سيبقى في ذاكرة جاك: "إنه يتمنى لو لم يلتقِ بأحفاده قط، لأنه يفتقدهم بشدة الآن".
يقول جاك: "أفهم ما يقصده، لأنني أفتقده الآن أيضاً. أعرف رائحته، ومشاعره. لم أكن أعرف ذلك قط. وهذا ما يزيد من ألم الخسارة".
ولهذا السبب تحديداً يرغب جاك بالعودة إلى سوريا أكثر، يقول: "الآن أعرف من أين أتيت".
وفي الوقت نفسه، يتطلع إلى المستقبل، يختم: "عام دراسي آخر، بعد ذلك آمل أن أصبح دبلوماسياً. سُمح لنا بالبقاء هنا، وأُتيحت لنا الفرص، واستفدنا من كل شيء.. الآن أريد أن أرد الجميل لهولندا".
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





