أثارت وثيقة صادرة عن مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق فائق زيدان، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، بعد أن تضمنت توجيهات بتحريك دعاوى قانونية ضد من يُحرض أو يروّج لإسقاط النظام السياسي أو المساس بشرعيته عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية.
وتباينت ردود الفعل بين سياسيين وحقوقيين وصحفيين، حيث رأى بعضهم أن الوثيقة تمثل تجاوزاً خطيراً للحدود القانونية والدستورية، بينما اعتبر آخرون أن صدورها يفتح باب النقاش حول حدود حرية التعبير ومحاولة لتكميمها.
ما حساسية وثيقة “إسقاط النظام” في العراق؟
ضمن هذا الإطار، وجّه السياسي ليث شبر، رسالة إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى، دعا فيها إلى تقديم إيضاح مفصّل وفتح نقاش قانوني هادئ بشأن الوثيقة المتداوَلة المنسوبة إلى المجلس، والمتعلقة بتكليف الادعاء العام باتخاذ إجراءات قانونية إزاء بعض التصريحات الإعلامية المرتبطة بمفاهيم إسقاط النظام السياسي والمساس بالشرعية، استناداً إلى مخاطبات وردت من جهات تنفيذية وأمنية.
وقال شبر في تدوينة عبر حسابه بمنصة “فيسبوك”، إن حساسية الوثيقة تنبع من ارتباطها بمفاهيم دقيقة في الدولة الحديثة، من بينها المشروعية الدستورية والشرعية السياسية، وحرية التعبير وحدود الرأي العام، والفاصل بين النقد السياسي والتجريم الجزائي.
وتابع شبر، أن “هذه المفاهيم لا تُدار بالقرارات وحدها، بل من خلال نقاش قانوني عميق وتفسير متوازن يحفظ هيبة الدولة ويصون استقلال القضاء ويمنح الرأي العام الاطمئنان”، موضحاً أن “الوثيقة المتداوَلة لا ينبغي النظر إليها كإجراء مغلق أو موقف نهائي، بل إنها يمكن أن تمثل مدخلاً مشروعاً لنقاش قانوني مسؤول يجيب عن تساؤلات مشروعة برزت في الأوساط الإعلامية ومواقع التواصل”.
وبحسب شبر، فإن “أبرز تلك التساؤلات تتعلق بتحديد المقصود بمفهوم إسقاط النظام في السياق الحالي، والحد الفاصل بين الطرح السياسي والنقد والدعوة للتغيير من جهة، والفعل الذي يرقى إلى مستوى الجريمة الجزائية من جهة أخرى، إضافة إلى كيفية فهم مفهوم الشرعية عندما يرِد ضمن خطاب سياسي أو إعلامي، والضوابط التي يعتمدها الادعاء العام في هذا النوع من القضايا”.
وأردف شبر، أن الرسالة ليست موجهة إلى مجلس القضاء الأعلى بوصفه طرفاً في نزاع، وإنما باعتباره الجهة الضامنة لتوازن السلطات والحَكَم بين الدولة والمجتمع، معتبراً أن فتح باب الإيضاحات “يعزّز الثقة بالقضاء ويقطع الطريق على التأويلات ويمنع تسييس الإجراءات”.
مغالطات وانتهاكات.. ودعوة إلى عدم الانجرار وراء الجدل العقيم
من جانبه، قال مدير “المرصد العراقي للحقوق والحريات”، عادل الخزاعي، في تدوينة على منصة “إكس”، إن “الإجراءات الصادرة عن مجلس القضاء الأعلى بتحريك دعاوى ضد المعارضين والناشطين بحجة المساس بشرعية النظام السياسي تثير مغالطات وانتهاكات قانونية ودستورية خطيرة تستدعي التوقف عندها”.
ونبه الخزاعي، إلى أن “الدستور العراقي لا يقر بوجود جريمة بهذا الوصف، ولا يمنح أي جهة سلطة إنشاء جرائم جديدة أو تبني تفسيرات توسعية تتعارض مع مبدأ الشرعية المنصوص عليه في المادة 19 ثانياً”، مشيراً إلى أن “المادة 38 تكفل حرية التعبير، والمادة 47 تؤكد مبدأ الفصل بين السلطات، في حين تمنع المادة 100 تحصين القرارات أو تحويل الآراء السياسية إلى أفعال مجرّمة، إلا إذا نص عليها القانون صراحة”.
https://twitter.com/i/status/1998415107982762391
ولفت الخزاعي، إلى أن توسيع نطاق التجريم ليشمل التعبير السياسي أو النقد العام، يتعارض بشكل واضح مع قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017 وفلسفة التشريع التي تميّز بين الرأي والفعل المجرّم. وخلص إلى أن هذه الإجراءات، وفق القراءة الدستورية والقانونية، “باطلة” وتحوّل القضاء إلى “أداة أمنية سياسية”، وهو تصرف خارج عن الصلاحيات القانونية.
بدوره، قال السياسي العراقي والنائب السابق، فائق الشيخ علي، في تدوينة على منصة “إكس”، إن الوثيقة القضائية الأخيرة لا تعني شيئاً ولا يُتوقع الالتزام بها، مشيراً إلى أنها لم تُوقّع من قبل رئيس مجلس القضاء الأعلى شخصياً، وإن صدرت عن مكتبه فقط، وأضاف: “صدقوني، سترون النتائج”، داعياً إلى عدم الانجرار وراء الجدل العقيم حول الموضوع.
كانت وثيقة متداولة صادرة من مكتب رئيس مجلس القضاء الأعلى، تضمنت توجيهاً باتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يحرّض أو يروّج لإسقاط النظام السياسي أو المساس بشرعيته عبر وسائل الإعلام أو المنصات الإلكترونية.
وجاء التوجيه في وثيقة رسمية خاطبت رئاسة الادعاء العام ومكتب رئيس الادعاء العام، استناداً إلى كتاب صادر عن مستشارية الأمن القومي بتاريخ 14 أكتوبر 2025، وأُحيل إلى هيئة الانضباط القضائي، وقد أكدت الوثيقة، أن الدراسة القانونية المتعلقة بهذا الشأن حصلت على موافقة رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وفي مضمون الكتاب تشديد على ضرورة ممارسة الصلاحيات المنصوص عليها في قانون الادعاء العام رقم 49 لسنة 2017، عبر تحريك الدعاوى الجزائية ضد كل من يثبت تورطه في التحريض أو الترويج لإسقاط النظام السياسي، أو القيام بأي فعل يمس بشرعيته الدستورية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً






