Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...
ساعة واحدة

بعد 76 يوما على التفجير.. كنيسة مار إلياس بدمشق تستعيد الحياة بالعماد الجماعي

الأربعاء، 10 سبتمبر 2025
بعد 76 يوما على التفجير.. كنيسة مار إلياس بدمشق تستعيد الحياة بالعماد الجماعي

جلست يارا في زاوية كنيسة مار إلياس بدمشق، تحمل بين ذراعيها طفلها الصغير. عيناه اللامعتان تتفحصان الشموع الصغيرة التي تتلألأ على المذبح، وفمه المنفتح في ابتسامة طفولية تلامس قلب كل من يراه.

كانت يد يارا (34 عاما) تهتز قليلاً، ليس من الخوف، بل من شعور وصفته لموقع تلفزيون سوريا بأنه "الحنين والخشوع"، هامسةً: "اليوم ليس مجرد عماد.. اليوم ولادة جديدة وذكرى حيّة للشهداء". قاصدة الضحايا الذين سقطوا في التفجير الإرهابي الذي وقع في كنيسة مار الياس في 23 من حزيران الماضي.

"الجو من حول يارا مشبع بمزيج من الضجيج والبهجة، أصوات الأطفال تتداخل مع ملابسهم البيض الجديدة، حيث تدخل أشعة الشمس عبر النوافذ الزجاجية لتلقي ظلالًا هادئة على الوجوه المنتظرة. في تلك اللحظة، بدا الزمن متوقفًا، كأن كل حركة وكل نفس يحملان معنى مزدوجًا: الألم والاحتفال، الحزن والأمل، الموت والحياة معًا في فضاء صغير يُسمى كنيسة مار إلياس"، هكذا وصف الأب بطرس بشارة المشهد في الكنيسة بعد أقل من 3 أشهر على التفجير.

ويتابع بشارة في تسجيل مصور نشر على فيس بوك: "في صباح يوم 7 من أيلول، تحولت الكنيسة إلى مساحة من المعاني الرمزية؛ يوم عمادة 22 طفلًا، رقم لم يكن عاديًا، بل يمثل كل طفل منهم أحد 22 شهيدًا قضوا في التفجير الذي استهدف الكنيسة بتاريخ 23 من حزيران الماضي.

كنيسة مار إلياس في دمشق تعود إلى أنشطتها الدينية بعد التفجير الذي استهدفها في حزيران الماضيشهادات متباينة من قلب الحدث

الأم يارا حنا، التي عمدت طفلها كريستيانو رزق، قالت لموقع تلفزيون سوريا: "أردت أن يكون ابني من بين الأطفال الذين يُعمَّدون في هذا اليوم، لأنه حدث تاريخي بالنسبة لنا. العماد بالنسبة لنا رمز الولادة الجديدة، وهو أيضاً إحياء لذكرى الشهداء. التفجير الذي وقع لم يجعلني أشعر بالخوف، ولو شعرت بالخوف لما شاركت في هذه الفعالية اليوم".

من جانبه، تحدث الشاب أيمن (25 عاماً) عن تجربته في حضور الاحتفال قائلاً: "لا أعرف أياً من العائلات التي عمدت أطفالها، لكنني أحببت هذا الحدث كثيراً، لأنه يؤكد أننا أبناء حياة ولسنا أبناء موت. سنظل متمسكين بإيماننا وكنيستنا، مهما واجهتنا من صعوبات".

لكن لم يتفق الجميع مع رمزية الفعالية؛ إذ عبّر الشاب ربيع، (اسم وهمي)، عن استيائه قائلاً: "بصراحة، لم تعجبني الفكرة مطلقاً، لأن الشهداء الذين قضوا في الكنيسة لا يمكن أن يعوضهم أحد. هؤلاء الأطفال ليسوا الشهداء أنفسهم، ولا يجوز التعامل مع الناس كأرقام يرحلون ويأتي غيرهم بدلاً منهم. أنا مستاء، ولم أحب هذه الفعالية."

بين كلمات يارا، التي رأت في معمودية طفلها "ولادة جديدة ووفاءً للشهداء"، وصوت أيمن الذي حمل رسالة "أمل وانتماء للحياة"، بدا أن "الإيمان كان حاضراً كقوة تتحدى الموت".

غير أن الاعتراض الذي عبّر عنه ربيع يعكس الوجه الآخر للمأساة؛ إذ يرى ربيع أن "ثمة جرح لا يندمل بسهولة، وثمة غياب لا تعوضه طقوس أو رموز". وفي هذه التباينات تتجلى صورة المجتمع نفسه: مزيج من الحزن والإصرار، من الإيمان والشك، من السعي لمداواة الجراح والرغبة في صون الذاكرة كما هي.

كنيسة مار إلياس في دمشق تعود إلى أنشطتها الدينية بعد التفجير الذي استهدفها في حزيران الماضيبين الألم والإصرار

الهجوم على كنيسة مار إلياس في 23 من حزيران 2025، نفذه مسلحون -بينهم انتحاري- مرتبطون بتنظيم "داعش"، أسفر عن مقتل 25 شخصًا وإصابة 63 آخرين. وبحسب البيانات الرسمية، فقد تم القبض لاحقًا على قائد الخلية، محمد عبد الإله الجميلي الملقب بـ"أبي عماد الجميلي"، والذي وُصف بأنه كان من القيادات البارزة في التنظيم.

ووقع التفجير في أثناء قداس الأحد، وخلّف أضرارًا كبيرة داخل الكنيسة؛ الجدران تصدّعت، المقاعد احترقت أطرافها، والزجاج تحوّل إلى شظايا تناثرت على الأرض.

وبعد أيام قليلة، وتحديدًا في 29 من حزيران، أقيم أول قداس في الكنيسة رغم آثار الدمار، حيث حضر الأهالي بأعداد كبيرة في مشهد اعتبره من قابلهم موقع تلفزيون سوريا أنه "تحد للخوف وإصرار على مواصلة الحياة". ومنذ ذلك الوقت بدأت الكنيسة تستعيد نشاطها تدريجيًا.

أبعاد اجتماعية وترميم متدرج

أهالي حي الدويلعة الذي يضم الكنيسة، والمعروف بتنوعه الاجتماعي والديني، تعاملوا مع التفجير باعتباره ضربة موجهة ضد استقرار مجتمعهم. فالمكان الذي كان رمزًا للتعايش والهدوء لسنوات، وجد نفسه فجأة مسرحًا لإحدى الهجمات الدموية الموجعة.

رغم ذلك، بدأت أعمال الترميم سريعًا، وبحسب مصادر محلية تحدثت لموقع تلفزيون سوريا، فقد تلقت "بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس" تبرعات من الداخل والخارج أسهمت في تغطية جزء من تكاليف الإصلاح، في حين تكفلت البطريركية باستكمال المبلغ المتبقي.

ذكرى ورسالة

وقال مصدر في الكنيسة لموقع تلفزيون سوريا إنه "مع اقتراب مرور 76 يومًا على التفجير، جاء طقس العماد الجماعي كخطوة فارقة في مسار التعافي. 22 طفلًا يدخلون إلى مياه المعمودية، في طقس يرمز للحياة الجديدة، فيما أصوات الأجراس والتراتيل ترتفع داخل الكنيسة التي ما تزال تحمل آثار الانفجار".

في ختام الاحتفال، خرج الأهالي وأطفالهم محاطين بزغاريد الأمهات وصلوات الآباء، بينما بقيت صورة الأطفال وهم يعبرون إلى حياة جديدة رمزاً لتجذر الإيمان والقدرة على مواجهة المحن.

بدت كنيسة مار إلياس، التي ارتقى مصلون فيها قبل أسابيع، وكأنها تحولت في هذا اليوم إلى معادلة تحمل معنيين متوازيين: مأساة الشهداء من جهة، وفرح الولادة الجديدة من جهة أخرى.

Loading ads...

وبينما يبقى جرح التفجير حاضرا في ذاكرة سكان الدويلعة والمجتمع المسيحي الأوسع، فإن العماد الجماعي لـ22 طفلًا شكّل رسالة واضحة بإصرار السكان في تلك المنطقة على الحياة.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه