بعد عام.. هل تستطيع "صحوة التبرعات" سدّ فجوة الإعمار في سوريا؟

مفارقة لافتة يمر بها المشهد السوري بعد التحرير، حيث تتقاطع الأرقام الهائلة لحجم الدمار مع يقظة اجتماعية غير مسبوقة تتجلى في موجة واسعة من حملات التبرع المحلية على مدار الأشهر الماضية.
وفق تقرير نشره موقع “العربي الجديد”، فإن بعد أكثر من خمسة عشر عامًا من الحرب التي حطمت البنية التحتية وشردت الملايين وأغرقت الاقتصاد في أسوأ أزماته، قدرت الأمم المتحدة والبنك الدولي أن تكلفة إعادة الإعمار تتراوح بين 400 و500 مليار دولار، في بلد يعيش فيه تسعون بالمئة من السكان تحت خط الفقر، ويحتاج أكثر من 16.7 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
فجوة تمويلية هائلة
أكد التقرير أن هذه الفجوة التمويلية الهائلة تبدو أكبر من قدرة الدولة والمانحين الدوليين معًا، إلا أن ما شهدته الأشهر الماضية في المحافظات السورية يعكس تحولًا اجتماعيًا عميقًا يحاول تقليص المسافة بين حجم الكارثة وقدرة المجتمع على مواجهتها.
وأشار إلى أنه في مواجهة هذا المشهد المظلم، برزت ظاهرة جمع التبرعات الشعبية بوصفها إحدى أكثر الاستجابات جرأة منذ بداية الحرب، إذ تجاوزت التبرعات المحلية 600 مليون دولار خلال فترة قصيرة، في سابقة لم تعرفها البلاد من قبل.
ويرى خبراء التنمية أن هذه الخطوة تمثل “صحوة مجتمعية” تتحدى فكرة انتظار الدولة أو المجتمع الدولي، وتعبر عن رغبة شعبية في استعادة زمام المبادرة، حيث لم تعد التبرعات مجرد فعل عاطفي أو ردود فعل آنية على الكوارث، بل باتت تعبيرًا عن إدراك جماعي أن إعادة الإعمار لا يمكن أن تبدأ إلا من الداخل، وأن الشعب نفسه يجب أن يكون جزءًا من الحل، لا مجرد متلقٍ للمساعدات.
موجة حملات التبرع تتسع
قد شهدت مختلف المحافظات السورية موجة من الحملات المتتابعة، انطلقت شرارتها من حمص في 13 آب/ أغسطس عبر مؤتمر “أربعاء حمص” الذي جمع 13 مليون دولار، قبل أن تتوسع لتشمل حماة التي حصدت حملتها أكثر من 210 ملايين دولار، وإدلب التي جمعت نحو 208 ملايين.
في ريف دمشق، جاءت حملة “ريفنا بيستاهل” لتعيد الأمل بقطاع التعليم، فجمعت 76 مليون دولار، بينما سجلت درعا عبر حملة “أبشري حوران” 44.3 مليون دولار، وجمعت دير الزور 30 مليونًا، ودخلت مناطق محدودة الموارد مثل منبج والباب بخط modest لكنها لافتة، بلغت 11 مليونًا و1.2 مليون دولار على التوالي.
هذا وأكد التقرير أن هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات مالية، بل تعكس تحولًا في الوعي، وصعود نموذج جديد من العمل الأهلي يقوم على المبادرة المحلية والشفافية والمسؤولية المجتمعية، ويميل إلى المشاريع التنموية أكثر من الأعمال الخيرية التقليدية.
إطار مؤسسي لجمع الطاقات
أشار تقرير “العربي الجديد” إلى أنه وسط هذا الزخم الشعبي، جاء إطلاق “صندوق التنمية السوري” في أيلول/سبتمبر 2025 بوصفه محاولة لخلق إطار مؤسسي قادر على جمع الطاقات المحلية وتنسيقها مع التمويل الدولي، والذي أسس بمرسوم رئاسي كمؤسسة مستقلة، وجمعت تبرعاته الأولية 80 مليون دولار.
وبيَن أن الصندوق ينظر إليه باعتباره خطوة نحو تحويل المبادرات المتفرقة إلى استراتيجية وطنية متسقة، غير أن هذه الخطوة تواجه تحديات عميقة تتعلق بضرورة الحفاظ على ديناميكية العمل الأهلي، وخلق آليات شفافة للمحاسبة، وتجنب الانحراف نحو البيروقراطية التي عرقلت عشرات المشاريع في الماضي.
وتبرز الحاجة الملحة لاعتماد مبادئ العدالة المكانية في توزيع التمويل، استنادًا إلى نظام “البرمجة القائمة على المنطقة”، بما يضمن تخصيص الموارد وفق مستوى الضرر والحرمان، لا وفق النفوذ أو الولاءات.
بناء الثقة بعد تراكمات من الفساد
كما أكد التقرير أن إشراك المجتمعات المحلية في التخطيط والتنفيذ يُعد شرطًا لنجاح أي مشروع تنموي، إذ أثبتت التجارب الدولية أن السكان المحليين قادرون على اكتشاف الأولويات الحقيقية ومراقبة التنفيذ بكفاءة أكبر من الأجهزة المركزية.
قال التقرير إن التحدي الأكبر يبقى في بناء الثقة، سواء لدى المجتمع السوري أو لدى المانحين، إذ لا يمكن إغفال تراكمات الفساد التي كانت أحد أبرز ملامح الحقبة السابقة، وهو ما يجعل الشفافية شرطًا وجوديًا لنجاح الصندوق.
ويطرح خبراء الإدارة ضرورة إنشاء آليات رقابة مستقلة، ونشر تقارير دورية حول مسار الأموال، والاستعانة بشركات تدقيق عالمية، حتى لا تتحول موارد الإعمار إلى عبء جديد يعيد إنتاج ذات الأزمة التي تحاول البلاد تجاوزها.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً





