هل تمول الولايات المتحدة والإمارات إعمار غزة من أرباح الغاز البحري؟

المشروع من المتوقع أن يدر نحو 4 مليارات دولار من العوائد، بمتوسط أرباح سنوية يصل إلى 100 مليون دولار لمدة 15 عاماً لصالح السلطة الفلسطينية.
بدأت تتزايد التسريبات الإعلامية حول تحرك أمريكي إماراتي مشترك لاستخدام عائدات استثمار الغاز الطبيعي قبالة سواحل غزة في تمويل جهود إعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع.
التسريب الأبرز، ما كشفه مسؤولون غربيون وعرب، عن محادثات بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" والإمارات حول إمكانية استخدام أرباح الغاز الطبيعي البحري في غزة لتمويل إعادة إعمار القطاع الذي دمرته الحرب الأخيرة، وفق ما أفاد به موقع "ميدل إيست آي".
يتضمن المقترح الذي تمت مناقشته قيام شركة أبوظبي الوطنية للبترول (أدنوك) بالاستثمار في حقول الغاز غير المطورة في غزة، على أن تساهم العوائد المالية الناتجة في جهود إعادة الإعمار.
ويجري الحديث عن خطة أمريكية إماراتية تتضمن تشغيل الحقل البحري وتوجيه جزء من أرباحه نحو صندوق خاص بإعادة الإعمار في غزة، يدار عبر جهات دولية وربما يكون خاضعاً لإشراف أممي أو عربي، لضمان الشفافية.
الخبير في شؤون غاز البحر المتوسط الشرقي مايكل بارون، مؤلف كتاب "قصة غزة البحرية"، أكد أن المشروع مجدي تجارياً، وتكلفة تطوير الحقل كانت تقدر بنحو 750 مليون دولار، ومن المتوقع أن يدر نحو 4 مليارات دولار من العوائد، بمتوسط أرباح سنوية يصل إلى 100 مليون دولار لمدة 15 عاماً لصالح السلطة الفلسطينية.
ويعود اكتشاف الغاز البحري في غزة إلى عام 2000، وقسمت حقوق تطوير الحقول بين صندوق الثروة السيادية للسلطة الفلسطينية "منتدى الاستثمار الفلسطيني" وشركة "Consolidated Contractors" للمقاولات، بالإضافة إلى تخصيص نحو 45% لشريك دولي.
غاز غزة
يعد الغاز الطبيعي في بحر غزة من أهم الموارد الاستراتيجية غير المستغلة في الأراضي الفلسطينية، إذ يمثل فرصة نادرة لتحقيق قدر من الاستقلال الاقتصادي والسيادي للشعب الفلسطيني.
اكتُشف حقل "غزة مارين" في أواخر التسعينيات، ويقدر احتياطيه بما يتراوح بين 30 إلى 35 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وهو كفيل بتغطية احتياجات قطاع غزة والضفة الغربية من الطاقة لسنوات طويلة، مع إمكانية التصدير لاحقاً.
تكمن أهمية هذا الغاز في كونه مورداً وطنياً فلسطينياً خالصاً يقع بالكامل ضمن المياه الإقليمية الفلسطينية، مما يمنحه بعداً سيادياً وسياسياً إلى جانب قيمته الاقتصادية. فاستثماره يتيح إنشاء بنية تحتية للطاقة محلية، وتقليل الاعتماد على الواردات الإسرائيلية، وتوفير مليارات الدولارات التي تُنفق سنوياً على شراء الكهرباء والوقود.
كما يمكن أن يشكل تطوير الغاز البحري منصة لانطلاق الاقتصاد الفلسطيني بعد الحرب، من خلال تمويل مشاريع إعادة الإعمار، وتحسين الخدمات الأساسية في مجالات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.
ويعزز استغلال غاز غزة موقع فلسطين ضمن منظومة الطاقة في شرق المتوسط، ويتيح لها الدخول في شراكات إقليمية عادلة بدل البقاء على هامش المشاريع الكبرى التي تربط بين مصر و"إسرائيل" وقبرص واليونان.
وسبق أن أعلنت السلطة الفلسطينية توقيع اتفاقيات أولية مع شركات مصرية وبدعم سياسي من دول إقليمية لاستثمار الحقل.
تكلفة الإعمار
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أكد أن تقديرات تكلفة إعادة إعمار غزة تصل إلى 70 مليار دولار، موضحاً أن التقديرات تشير إلى وجود ما لا يقل عن 55 مليون طن من الأنقاض في القطاع.
وقال البرنامج في بيان له، في أكتوبر الماضي، عقب توقب الحرب على غزة: "لدينا مؤشرات جيدة للغاية بشأن تمويل إعمار غزة"، وذكر أن 425 ألف وحدة سكنية تضررت أو دمرت بشكل كامل جراء الحرب.
وأكد أن تعافي قطاع غزة هو مسار طويل ومعقد، ويحتاج إلى وقت كبير وجهود دولية منسقة تشمل إعادة البناء والبنية التحتية والخدمات الأساسية.
هندسة تمويل
الباحث الاقتصادي المتخصص في شؤون الطاقة عامر الشوبكي، أكد أن المقترح الأمريكي الإماراتي الإسرائيلي لإعمار غزة لا يقتصر على كونه منحة مالية، بل يمثل هندسة تمويل تربط الإعمار بموارد طبيعية، وتحديداً الغاز البحري الذي يُستخرج وتدار إيراداته عبر ترتيبات رقابية مالية لتُستخدم كضمانات وقنوات تمويل لمشاريع الإعمار.
وقال الشوبكي في حديث لـ"الخليج أونلاين": إن "هذا التوجه ينسجم مع المزاج الأمريكي الحالي الساعي لتشكيل حوكمة جديدة في غزة وربطها بقوة دولية تضمن الأمن والتمويل".
ويوضح الشوبكي أن نجاح المقترح ممكن نظرياً وتقنياً، "لكنه سياسياً مشروط بثلاثة مفاتيح: أولها مسألة السيادة والشرعية، إذ إن أي إدارة خارجية لإيرادات الغاز ستنظر إليها كمصادرة للسيادة حتى وإن قُدمت بغطاء الإعمار".
وأضاف أن "العقبات القانونية والسياسية ستبقى قائمة ما لم تكن هناك حوكمة فلسطينية واضحة وشفافة على الإيرادات"، مشيراً إلى أن "القضية ليست مجرد مجلس تكنوقراط، بل تفويت سياسي واجتماعي يتطلب قبولاً وطنياً واسعاً".
ويعتبر الشوبكي أن الجانب الأمني والزمني عاملان حاسمان، فحقول الغاز تحتاج إلى تطوير وتأمين وعقود تشغيل وبنى تحتية للنقل والتصدير؛ ما يجعل أي عوائد سريعة للإعمار خلال أشهر أمراً غير واقعي.
ولفت إلى أن الاستخدام الأقرب هو اعتماد الغاز كضمانات تمويلية تفتح تدريجياً عند استقرار الأمن والحوكمة، موضحاً أن الغاز وحده لا يكفي لإعمار غزة، فتكلفة ذلك تقدر بين 70 و100 مليار دولار، بينما تقدر عوائد حقلي "مارين 1 و2" بنحو 600 إلى 800 مليون دولار سنوياً فقط، وهو رقم محدود مقارنة بحجم الدمار.
كما يؤكد أن الحل الأمثل اقتصادياً يتمثل في إنشاء صندوق سيادي ائتماني فلسطيني تخصص منه نسبة ثابتة للإعمار ونسب أخرى للكهرباء والمياه والصحة والتعليم، مع رقابة دولية تمنع الفساد وتضمن وصول العوائد إلى المواطنين.
وشدد على أن المقترح يرتبط استراتيجياً بمشاريع الممر الاقتصادي "IMEC" الذي تسعى واشنطن وحلفاؤها من خلاله لجعل شرق المتوسط منطقة مستقرة ومتصلة لوجستياً بالطاقة بين الخليج وأوروبا، معتبراً أن أي تهدئة أو ترتيبات اقتصادية في غزة تصب في هذا الاتجاه.
واعتبر أن مقترح الغاز قد ينجح كأداة ضغط وتمويل إذا تحققت الحوكمة والأمن، لكنه لن يكون عصاً سحرية للإعمار، خاصة أن الغاز في غزة يمكن أن يكون رافعة سيادية لبناء اقتصاد ما بعد الحرب، أو يتحول إلى فاتورة سياسية تُستخدم لشراء ترتيبات أمنية وتطبيع اقتصادي.
ويختم بالقول أن "الفارق سيحسم بسؤال واحد: هل ستدار عوائد الغاز بشفافية لصالح الشعب الفلسطيني، أم كضمانة بيد الآخرين؟".
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً





