سوء الخدمات في مستشفيات دمشق: مرضى بين الإهمال ونقص المستلزمات

رغم مرور عام على سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلا أن الواقع في المستشفيات العامة بـ دمشق لم يتغير، بل يزداد سوءاً يوماً بعد يوم؛ بدءا من مشاهد الازدحام، ونقص الأدوية، وتعطل الأجهزة الطبية، التي أصبحت جزءاً من الحياة اليومية للمرضى الذين يقصدون المستشفيات أملاً بالعلاج، ليجدوا أنفسهم في مواجهة واقعٍ أقرب إلى الإهمال منه إلى الرعاية.

خلال الأشهر الماضية، تكررت الشكاوى حول سوء الخدمات في كبرى المستشفيات الحكومية، وعلى رأسها مستشفى المواساة، الذي يشهد نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية الأساسية.

هذا التدهور دفع كثيرين للتساؤل، كيف لمستشفى جامعي ضخم في العاصمة أن يعجز عن تأمين أبسط الأدوات الطبية مثل كيس التنفس أو الحقن؟ حيث لم تعد الأزمة مجرد مشكلة إدارية، بل تحولت إلى مأساة إنسانية تمس حياة المرضى وكرامتهم، وسط غيابٍ لأي إجراءات فعالة أو حلول جذرية.

تفاقم الأزمة في مستشفى المواساة

يعكس مستشفى المواساة حجم الأزمة التي تضرب القطاع الصحي العام، فعلى الرغم من مكانته الأكاديمية كواحد من أكبر المستشفيات التعليمية في البلاد، إلا أن نقص المستلزمات والأدوية وتعطل الأجهزة الطبية بات واقعاً يومياً يعيق عمل المستشفى ويؤثر على صحة المرضى.

مريض ترك أمام المستشفى بدمشق بعد عملية جراحية بحجة عدم توفر أسرة – مواقع التواصل

تقول نبيلة السيد إن حالة ابنتها التنفسية تفاقمت واضطرّت إلى نقلها بسرعة إلى مستشفى المواساة، لكن ما واجهته هناك زاد من قلقها وألمها، إذ لم تجد أبسط المستلزمات التي تحتاجها ابنتها.

“جينا على الإسعاف لأن بنتي كان عندها ضيق نفس شديد، كان لازمها كيس لضبط التنفس، قالولي ما في كيس لتنفس، طلبوا مني أطلع اشتري من برّا، ركضت وأنا مرعوبة وبعد نص ليل أكتر المحلات مسكرة، وما لقيت، رجعت بلا كيس وبنتي عم تختنق، والله لحظة ما بنساها، حسّيت إنو المريض بالبلد لازم يجيب كل شي بإيده، حتى الهوا.”

نبيلة السيد لـ “الحل نت”

هذه الواقعة ليست استثناء، بل نموذج متكرر يعكس واقع نقص الخدمات في المستشفيات العامة. إذ شهدت سارة العربينية، عن كثب حالة خالتها التي كانت تعاني التهاباً رئوياً حاداً، حيث أُجبرت على الانتظار على كرسي بسبب نقص الأسرّة، وسط صراخ المرضى المحتاجين للأوكسجين، وأجهزة معطلة.

تقول لـ “الحل نت”: “خالتي عندها التهاب بالرئة، قالوا ما في سرير فاضي، حطونا عالكرسي، وكل شوي نسمع مريض عم يصرخ لأنو بدو أوكسيجين، والأجهزة خربانة، يعني الناس بتموت قدامهم وما بيقدروا يعملوا شي.”

أما أبو رامي قطنة، والد أحد المرضى، عانى هو الآخر من نقص المسكنات والحقن الضرورية لعلاج ابنه في قسم الطوارئ، حيث وجد نفسه مجبراً على التنقل بين الصيدليات بحثاً عن الأدوية، في رحلة مرهقة زادت من معاناته بدل أن تخففها.

تعيش مئات العائلات هذه المعاناة يومياً، حيث يقف المرضى وأهلهم أمام جدار من الإهمال ونقص المستلزمات، ما يجعل من رحلة العلاج اختباراً أصعب من المرض نفسه. وفي ظل هذه الظروف، تبقى الحاجة ملحّة لإيجاد حلول جذرية تُعيد للمستشفيات كرامتها، وللمرضى حقهم في حياة كريمة ورعاية صحية تليق بهم.

نقص المستلزمات والأجهزة يفاقم الأزمة

توضح شهادة أحد الأطباء العاملين في مستشفى المواساة أن الأزمة لا تقتصر على نقص المستلزمات فقط، بل تمتد لتعقيدات إدارية وتنظيمية تزيد الوضع سوءاً، وسط عجز واضح في توفير الدعم اللازم.

بحسب طبيب في مستشفى المواساة، فضّل عدم ذكر اسمه، فإن “إنّ معظم المستلزمات قد نفدت تقريباً، كنا سابقاً نستلم كميات محدودة من المستودع، أما الآن فالنقص حاد، والسبب هو ضعف الوارد سواء من الوزارة أو من المنظمات.”

وأضاف الطبيب لـ “الحل نت“، أن الآلية الإدارية معقدة، فالمستشفى يتبع إدارياً لوزارة التعليم العالي، بينما يمر التمويل عبر وزارة الصحة، وهذا يسبب تأخيراً كبيراً في مختلف الإجراءات”

و”لا تستطيع المنظمات سدّ النقص، في حين أن ووزارة الصحة لديها عدد كبير من المستشفيات، فيوزع الدعم على الجميع ولا يكفي، إلى جانب تعطل أجهزة مثل الطبقي والرنين والتحاليل، وصيانتها تحتاج ميزانيات ضخمة غير متوفرة”، وفق الطبيب.

ورغم بعض التصريحات عن محاولات صيانة المرافق وتبديل الأسرة وتحسين الخدمات، يؤكد الطبيب أن تلك الخطوات لا تعالج جوهر الأزمة.

“المشكلة ليست بالتجميل، المشكلة بالأساس نحاول تسيير الأمور قدر الإمكان، لكن الإمكانيات محدودة جداً، وعدد المرضى ضخم، وأصبحنا عاجزين حتى عن تأمين أبسط المستلزمات.”

طبيب في مستشفى المواساة لـ “الحل نت”

وتتعدد التبريرات الرسمية التي تربط الأزمة بنقص التمويل وضعف الموارد، لكن كثير من العاملين في القطاع الصحي يرون أن السبب الحقيقي يكمن في غياب التنسيق والرقابة، وترك القطاع يتدهور بصمت.

وبين اتهامات بالفساد الإداري وعجز حكومي، يبقى المواطن هو الحلقة الأضعف، فالمرضى يقفون في طوابير طويلة، بينما تغرق المستشفيات في فوضى الإهمال والروتين القاتل، في وقت ما تزال وزارة الصحة السورية غير مكترثة بالقيام بدورها، في تأمين حق العلاج للسوريين.