انتخابات التجديد النصفي 2026.. تحديات داخلية وخارجية أمام إدارة ترمب

مع حلول عام 2026، يبدأ العد التنازلي لانتخابات التجديد النصفي المزمع عقدها الخريف المقبل في الولايات المتحدة، والتي تحظى بزخم استثنائي وترقب مبكر جداً على موعد انعقادها.
وفيما بدأ عام 2025، بعودة الرئيس دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، معززاً بسيطرة جمهورية كاملة على مجلسي النواب والشيوخ، إلا أن استطلاعات رأي حديثة تظهر تراجعاً ملحوظاً لشعبية ترمب في أوساط الناخبين الأميركيين، بنسبة تصل إلى 36%، بحسب مؤسسة "Gallup" للأبحاث.
وفي قراءات بانورامية، رأى خبراء أميركيون في السياسة والعلاقات الدولية، تحدثوا لـ"الشرق"، أن ترمب يواجه في العام المقبل العديد من التحديات الداخلية والخارجية، قبيل الانتخابات النصفية.
ومن ناحية، قد يحتاج الرئيس إلى إعادة ترتيب البيت الجمهوري واستعادة جزءٍ من شعبيته المتراجعة لأسباب أبرزها الاقتصاد، فضلاً عن ضبط بوصلة علاقات واشنطن الخارجية وفق أجندة "أميركا أولاً" ببراجماتية تُقدّم المصلحة الأميركية على مصالح الدول الأجنبية، وأن يتوصل لاتفاق بشأن أوكرانيا لا يشمل "مساعدة بوتين على الانتصار" في حربه ضد كييف.
تحدي السيطرة على البيت الجمهوري
في ظهور أخير على شبكة CNN الأميركية، أطلقت النائبة الجمهورية المستقيلة، مارجوري تايلور جرين، تصريحات نارية بتوقعها "خسارة" قد يتكبدها الجمهوريون في انتخابات التجديد النصفي المزمعة أواخر عام 2026.
المشرّعة الجمهورية، التي شهدت في الآونة الأخيرة تحولاً دراماتيكياً في علاقتها بدونالد ترمب، حمّلت الرئيس الأميركي نتيجة تراجع شعبية الحزب بسبب "سياسات سامة" من بينها إهمال قضايا غلاء المعيشة والرعاية الصحية، وكذلك عرقلة إدارته الكشف عن ملفات قضية رجل الأعمال الراحل جيفري إبستين، المُدان في قضايا اعتداء جنسي على قاصرات.
وبعدما كانت جرين لسنوات من أبرز المدافعين عن ترمب داخل مجلس النواب الأميركي، أثارت تصريحاتها عداء ترمب الذي وصفها بأنها "خائنة".
لكن صوت جرين لم يكن منفرداً داخل حركة "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً" المعروفة اختصاراً بـ"MAGA"، التي تشكل قاعدة ترمب السياسية، فبحسب صحيفة "واشنطن بوست"، بات مؤثرون محافظون ينتقدون ترمب وسياساته علناً، كما يعبّرون عن تخوفهم من أن جزءاً من القاعدة الشعبية بدأ يفقد حماسه، في ظل شعور متزايد بأن الرئيس لا ينفذ أجندة "MAGA" بالزخم الذي وعد به.
ورغم اتساع الصدع، فإن أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوسطن، دايفيد هوبكنز، يستبعد وجود "انقسام كبير" بين ترمب وMAGA، حتى مع ما تشهده الحركة من صراعات ومنافسات داخلية، لكن ذلك لا ينفي، وفق ما أشار هوبكنز لـ"الشرق"، أن ترمب "لا يزال يحظى بدعم شخصي قوي بين المحافظين الشعبويين".
ومثلما قوبلت تعليقات تايلور جرين بغضب من الرئيس، صرّح ترمب في يوليو الماضي، بعدم دعم أي مشرّع جمهوري قد يصوت ضد مشروع قانون اقترحته إدارته لتمرير اقتطاعات في تمويل حكومي لهيئة البث العام، وكذلك المساعدات الخارجية.
وتكررت تهديدات ترمب لنحو 20 جمهوري من أعضاء المجلس التشريعي في ولاية إنديانا لتصويتهم ضد خطة إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في الولاية، والتي ضغط ترمب لتمريرها لتعزيز فرص الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي.
لكن هذه الانقسامات، يعدّها دايفيد هوبكينز "حالة عادية" من الاختلافات والتنافس السياسي على السلطة، والذي لا يقتصر على الحزب الجمهوري وحده، وإنما يشهدها الحزب الديمقراطي كذلك.
إلا أن تهديدات ترمب بسحب الدعم عمّن يخالفه داخل البيت الجمهوري، يراها أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، جاري جاكوبسون، على أنها "استراتيجية محفوفة بالمخاطر"، إذ يُمكن أن تنقلب نتائجها ضد ترمب، ما يجعلها واحدة من التحديات التي ستواجه الجمهوريين قبيل انتخابات التجديد النصفي.
وفي حديث لـ"الشرق"، أشار جاكوبسون إلى أن استراتيجية مماثلة ساهمت بشكل واضح في أن تتحول انتخابات تمهيدية سابقة إلى مشهد يعجّ بـ"الانقسام"، وغالباً ما تؤدي إلى اختيار مرشحين "أكثر تطرفاً" ما ينتهي أحياناً بخسارة الحزب المنقسم لمقاعد من الممكن أن يفوز بها.
ورغم ذلك، يرى جاكوبسون أن مدى التأثير السلبي لتلك الاستراتيجية "لن يتضح بدقة"، إلا بعد تبلور المنافسات في ولايات ودوائر الانتخابات التمهيدية المقبلة واختيار مرشحي كل الحزبين.
"المرشحون الترمبيون".. الولاء أولاً
يُعد انتقاء المرشحين لانتخابات الكونجرس الأميركي عملية معقّدة وشائكة، فقبل أن يخوض المرشح انتخابات الكونجرس عن حزبه، عليه أن يجتاز سباقات داخلية مع مرشحين آخرين من نفس الحزب في ما يُعرف بـ"الانتخابات التمهيدية"، والتي تستهدف اختيار المرشحين الأوفر حظاً للفوز بمقاعد الكونجرس.
لكن يبدو أن خيارات ترمب لن تلتزم بذلك المعيار، مثلما يقول جون مايلز كولمان، المحرر المساعد بنشرة Sabato's Crystal Ball التي تصدر عن مركز السياسات بجامعة فرجينيا.
ويرجح كولمان أن يحظى بدعم الحزب الجمهوري بعض ممن يصفهم بـ"المرشحين الترمبيين"، الذين يتبنون خط ترمب السياسي، مشيراً إلى أن اختيار مرشحين مؤيدين للرئيس أكثر من اللازم قد لا يكون مفيداً للجمهوريين، مثلما سيكون من المفيد للديمقراطيين أن يتجنّبوا بعض المرشحين "المناهضين للمؤسسات"، والذين قد لا يكونون مستعدين بعد للظهور على المسرح السياسي الكبير.
ولفت كولمان إلى أن الميل "للمرشحين الترمبيين"، الذين كانوا دون المستوى في منافسات محورية عام 2022، كان عاملاً في "الأداء المخيّب" للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي حينها.
لكن يبدو أن هذه الديناميكية تكرر مجدداً، مثلما يشير كولمان، ففي سباق مجلس الشيوخ في ولاية تكساس، يُعدّ السيناتور جون كورنين، الذي خدم لفترة طويلة في مقعده، "جمهورياً تقليدياً ورهاناً آمناً" في الانتخابات العامة، إلا أن كورنين قد يخسر الانتخابات التمهيدية أمام المدعي العام للولاية كين باكستون، وهو مرشح "أكثر ترمبية"، ورغم أن باكستون قد يفوز بالانتخابات في نهاية المطاف، لكنه يُنظر إليه على أنه "خيار أكثر مخاطرة".
ويُعد ترمب نفسه السبب في اللجوء إلى خيارات أكثر خطورة، بحسب ما يرى أستاذ السياسة، دايفيد هوبكينز، إذ أن الرئيس يبحث عن مرشحين يمتازون بـ"الولاء القوي له شخصياً"، فيما تكشف تصريحاته عن أنه مستعد تماماً "لمعاقبة أعضاء حزبه إذا شعر بأنهم لا يقدمون الدعم الكافي له" كما يضيف هوبكينز.
ورأى هوبكنز أن إثبات الولاء لترمب سيجعل من الصعب على المرشحين الجمهوريين تبني سياسات تختلف عما يتبناه الرئيس الأميركي "حتى وإن تراجعت شعبية ترمب بشكل واسع العام المقبل".
رغم أن تصاعد الخلافات الداخلية بين ترمب وبعض مؤثري MAGA يُمثل تحدياً أمام الحزب الجمهوري قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، فإن أستاذ العلوم السياسية بجامعة بوسطن، دايفيد هوبكينز، رأى أن انخفاض معدلات تأييد الرئيس بين الناخبين الأميركيين، لا سيما المستقلين منهم، هو "المشكلة الكبرى" التي قد يواجهها الجمهوريون.
وأظهر أحدث استطلاع رأي عن مؤسسة Gallup، في أواخر نوفمبر، تراجعاً ملحوظاً في شعبية الرئيس دونالد ترمب، حيث سجلت أدنى مستوى لها منذ بداية ولايته الثانية، بمعدل تأييد يبلغ 36%، متراجعاً بمقدار 5% عن شهر أكتوبر، ومقترباً من أدنى نسبة تأييد حصل عليها ترمب في نهاية ولايته الأولى بعد أحداث اقتحام الكابيتول، والتي هبطت حينها إلى 34%.
وبحسب نتائج الاستطلاع، أبدى 84% من الجمهوريين دعمهم لترمب، مقارنة بـ91% في استطلاع أجري الشهر السابق، فيما هبطت معدلات تأييد الرئيس الأميركي بين الناخبين المستقلين إلى 25%، نزولاً من نحو 46% في بداية ولاية ترمب الثانية، يناير 2025.
وقال هوبكينز إن ترمب سيواجه "صعوبة أكبر" في جذب الأميركيين خارج قاعدته الوفيّة من الجمهوريين المحافظين، فيما سيحتاج إلى استعادة بعض شعبيته قبل خريف 2026 "لتجنب تكبّد خسائر انتخابية كبيرة".
معركة الخرائط الانتخابية.. من سيفوز؟
وبينما تبرز استطلاعات الرأي، تراجع شعبية ترمب، لجأ الرئيس الأميركي إلى تفعيل سلاح آخر، يضمن من خلاله حصد مقاعد إضافية في الكونجرس، عبر إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية في الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون.
وأدى ذلك إلى سباق بين ولايات حمراء وزرقاء على رسم خرائط الانتخابات، فبينما أعاد المشرعون الجمهوريون في تكساس رسم خرائط الانتخابات بدعم من إدارة ترمب لكسب 5 مقاعد إضافية في الكونجرس، حيث ردّ الديمقراطيون في ولاية كاليفورنيا بإجراء تعديل مماثل لإضافة 5 مقاعد، ما يعادل مكاسب الجمهوريين في تكساس.
وفي المجمل، يتركز صراع الدوائر الانتخابية حول 15 إلى 20 مقعداً، قد يتغير ولاؤها الحزبي بتغيير حدود الدوائر.
ورغم أنها معركة "لم تُحسم بعد"، إذ لا تزال الإجراءات في تلك الولايات "قيد التطوير"، بحسب جاري جاكوبسون، إلا أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا، رجّح أن يُحقق الجمهوريون مكسباً صافياً بإضافة "مقعدين" إذا قامت كل ولاية بإضافة الحد الأقصى الممكن. أما في الحد الأدنى، فستكون النتيجة متعادلة دون أي تغيير صافٍ.
من جانبه، يميل مايلز كولمان، من جامعة فرجينيا، إلى تبني سيناريو "التعادل"، مشيراً إلى أن المقاعد التي ستضيفها خرائط تكساس الجديدة للجمهوريين، ستعادلها مقاعد يمكن أن يسحبها الديمقراطيون في كاليفورنيا.
وبينما أعادت نورث كارولينا رسم دوائرها بما يخدم مصلحة الجمهوريين، فعّلت ولاية يوتا الأمر نفسه لكن لمصلحة الديمقراطيين، ورجّح كولمان أن يتمكن الديمقراطيون في ولاية فرجينيا، من السيطرة على عدة مقاعد إضافية العام المقبل عبر إعادة تعيين الدوائر، لكن في المقابل قد يتمكن الجمهوريون في فلوريدا من رسم خريطة انتخابية تضيف لهم مزيداً من المقاعد هناك.
إلا أن هذه المعادلة الصفرية، قد تترك الجمهوريين أمام منافسة أكثر صعوبة، "إذا ظلّت معدلات تأييد ترمب عند مستويات منخفضة، واستمر الاستياء من الوضع الاقتصادي"، وفقاً لأستاذ السياسة جاري جاكوبسون، فحينها، "قد يكون الديمقراطيون الأوفر حظاً للفوز بعدد من المقاعد يفوق ما يكفي للحصول على الأغلبية، بغضّ النظر عما سيحدث في ملف إعادة رسم الدوائر".
سياسة الهجرة.. الأثر العكسي
منذ عودته إلى البيت الأبيض، شرع الرئيس دونالد ترمب في تنفيذ حملة ترحيل موسّعة ضد المهاجرين غير الموثّقين في الولايات المتحدة، تنفيذاً لتعهدات انتخابية قطعها ترمب، بترحيل "الأسوأ بين الأسوأ" من المهاجرين ذوي السجلات الإجرامية.
لكن سرعان ما اتسعت حملة الترحيلات لتشمل مهاجرين غير مصرح لهم بالإقامة في الولايات المتحدة، من غير المدانين في جرائم جنائية داخل البلاد. ورصدت تقارير إعلامية أن غالبية المُستهدَفين بتلك الحملات، هم مهاجرون من أصول لاتينية.
وأدت تلك الحملة إلى نزيف في مستويات دعم اللاتينيين لترمب، ووفقاً لاستطلاع صادر عن مركز PEW للأبحاث، أبدى 27% فقط من هؤلاء تأييداً للرئيس، فيما ارتفعت معدلات عدم رضا اللاتينيين عن سياسات ترمب إلى حدود الـ70%.
ويُمثل ذلك تراجعاً ملحوظاً لشعبية ترمب في أوساط اللاتينيين، الذين منحوه أصواتاً قياسية في انتخابات عام 2024، بواقع 46%، وهي أكبر نسبة تصويت حصل عليها مرشح جمهوري من اللاتينيين في التاريخ الحديث، وأكبر من نسبة الـ32% التي حصل عليها ترمب نفسه في انتخابات عام 2020 أمام الرئيس السابق جو بايدن.
من جانبه، اعتبر أستاذ السياسة الأميركي، جاري جاكوبسون، أن ملف الهجرة كان "عاملاً حاسماً" في تلاشي الأفضلية التي كان يتمتع بها ترمب في بداية ولايته الثانية بين أوساط المنحدرين من دول لاتينية.
وقال جون مايلز كولمان إن الولايات الجنوبية قد تُفتّت دوائر ذات أغلبية من الأميركيين الأفارقة أو ذوي الأصول اللاتينية، وهي مناطق تُعرف بميلها للتصويت للديمقراطيين، إن ألغت المحكمة العليا هذا القِسم الثاني في قانون حقوق التصويت لعام 1965.
ويمنع هذا القِسم الولايات من رسم دوائر انتخابية تُشتت أصوات الأقليات، وهو ما دفع مشرعين في 14 ولاية جمهورية لتقديم مذكرات قانونية للمحكمة العليا، تطالبها بـ "تفسير موسّع" للقسم الثاني، الذي اعتبره الطاعنون "تمييزاً" ضد الناخبين الذين لا ينتمون للأقليات.
إلا أن المحرر بمركز السياسات بجامعة فيرجينيا وصف حكم المحكمة المرتقب بأنه "أكبر عامل غير محسوم"، لأن المحكمة العليا عادة ما تُصدر قراراتها خلال الصيف، ما يجعله قراراً "متأخراً جداً" للتأثير في خرائط انتخابات 2026.
مع ذلك، لا تحظى سياسة ترحيل المهاجرين بشعبية بين شرائح أخرى، إذ تُظهر نتائج استطلاع أجرته مؤسسة Gallup، في شهر يوليو، انخفاضاً حاداً في نسبة الأميركيين المؤيدين لترحيل جميع المهاجرين غير الموثّقين إلى 38%. ومثلما تنخفض هذه النسبة إلى نحو 31% بين المستقلين، فقد سجّلت تراجعاً بنحو 7% بين الجمهوريين أنفسهم، من 84% في عام 2024، إلى 77% في عام 2025.
ويعتقد جاري جاكوبسون، أن الجمهوريين أنفسهم صاروا "أقل حماسة" بشأن سياسة الإدارة المتعلقة بالهجرة، بينما لا يزال الديمقراطيون يرفضونها على نطاق واسع، ويتخذونها كنقطة انطلاق لانتقاد ترمب.
في عام 1992، عكف استراتيجي الحملات الانتخابية، جيمس كارفيل، على صياغة مذكرة داخلية، كانت بمثابة "مانفيستو" لحملة بيل كلينتون للرئاسة. وقتها، ركّز كارفيل على 3 نقاط أساسية، أولها تغيير سياسات بعينها أو المطالبة بالمزيد في سياسات أخرى، وثانيها: لا تنسوا الرعاية الصحية، أما الثالثة: "إنه الاقتصاد، يا أغبياء!".
تحولت عبارة "إنه الاقتصاد، يا أغبياء" إلى شعار غير رسمي لحملة كلينتون، وصارت جملة مرجعية يستعيدها الخبراء والمحللون عادة، للتعبير عن أبرز العوامل التي تؤثر سلباً أو إيجاباً في نتائج الانتخابات.
واستعار مايلز كولمان، عبارة "إنه الاقتصاد يا أغبياء"، لافتاً إلى أن مؤشرات الاقتصاد في عهد ترمب، ومعدلات تأييده في ملف التضخم تراجع بنحو 30%، منذ توليه الرئاسة، كما أن تقييم أداء الرئيس الاقتصادي انخفض كذلك بنحو 20%.
وقال كولمان إن استمرار الاعتقاد بأن الاقتصاد الأميركي يزداد سوءاً بحلول العام المقبل، "سيضع الجمهوريين أنفسهم في وضع أصعب" عندما تُقام انتخابات التجديد النصفي، نهاية 2026.
من جهته، رأى جاري جاكوبسون، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، أن التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة الناتجين عن التعريفات الجمركية وإدارة الاقتصاد بصورة عامة، تعتبر من أبرز مؤشرات الاقتصاد المؤثرة سلباً في تقييم الناخبين لأداء ترمب في الحكم.
لكن الرئيس الأميركي، يتبنى رواية مختلفة بشأن أدائه الاقتصادي، إذ يؤكد في تصريحاته على أنه تسلم السلطة والبلاد "في حالة فوضى"، مشيراً إلى أن الاقتصاد تعافى تحت إدارته وصار يقيمه هو بتقييم "+++++A".
وخلال تجمع لأنصاره في ولاية نورث كارولينا، الأسبوع الماضي، قال ترمب إنه حقق "أدنى معدل للتضخم الأساسي منذ مارس 2021، والذي انخفض إلى 2.7%"، لافتاً إلى أن "الديمقراطيين يقولون إن الانتخابات النصفية تدور حول القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة، رغم أنهم هم من تسببوا بأعلى معدل تضخم في تاريخ البلاد".
وفيما نشر البيت الأبيض، في مطلع ديسمبر، بياناً تفصيلياً بنسب انخفاض أسعار حزمة واسعة من الأطعمة ومنتجات البقالة والوقود، كما عبّر ترمب في التفاوض مع شركات التأمين الصحي للحصول على خفض في أسعار الرعاية الصحية إلى النصف، ضمن مساعيه لإصلاح برنامج "Obama care" للرعاية الصحية الميسرة.
لكن استطلاعات الرأي لا تُبنى باقتناع قطاع واسع من الناخبين برواية ترمب حول أدائه الاقتصادي. وقال مايلز كولمان، من جامعة فيرجينيا، إنه "في حين قد لا يكون الناخبون مقتنعين بالحزب الديمقراطي، فإن المزاج العام في انتخابات التجديد النصفي يميل عادةً إلى الحكم على الحزب الحاكم".
ولفت كولمان إلى أن ترمب خاض حملته على أساس إصلاح الاقتصاد، وحتى الآن لا يُنظر إليه على أنه يحقق ذلك.
التعريفات.. سياسة غير شعبية داخل أميركا
شملت خطة الإصلاح الاقتصادي التي وعد بها ترمب خلال حملته الانتخابية، تقليص الجهاز الحكومي وخفض الإنفاق العام، وفرض تعريفات جمركية شاملة لعلاج عجز الميزان التجاري، وهو ما قوبل بتحذيرات اقتصاديين من أن يقود ذلك إلى معدلات تضخم أعلى.
وعلى مدار أشهر عامه الأول من ولايته الحالية، دافع ترمب عن سياسته بفرض تعريفات جمركية، لمواجهة ما وصفه بـ"المعاملة غير العادلة" التي تتلقاها الولايات المتحدة في علاقاتها التجارية بغالبية الدول الأجنبية، مشدداً على أن فرضها سيُدر مليارات من العوائد على الخزينة الحكومية، وسيُنعش صناعات وطنية تواجه منافسة غير عادلة مع منتجات أجنبية أقل سعراً وجودةً.
ويرى ستيفين والت، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة هارفارد الأميركية، أن الجمهوريين سيحاولون الادعاء بأن التعريفات خفّضت العجز التجاري وحققت إيرادات كبيرة، لكن معظم الأميركيين لا يهتمون بتفاصيل التجارة، بل يركزون بدلاً من ذلك على كيفية رفع التعريفات الجمركية للأسعار على المواطنين العاديين.
وفي حديث لـ"الشرق"، وصف والت سياسة التعريفات الجمركية التي يتّبعها الرئيس ترمب بأنها "سياسة خاسرة"، وهو ما أدركه بعض ممن منحوا ترمب أصواتهم، وهو ما انعكس في تراجع شعبيته على صعيد الاقتصاد.
من جانبه، فقد بعث ترمب برسائل متناقضة، إذ أعلنت إدارته، منتصف نوفمبر، إلغاء الرسوم على بعض المواد الغذائية، ومنها لحوم الأبقار، والقهوة، والفواكه الاستوائية استجابة لضغوط على الأسعار، في اعتراف بأثر التعريفات على أسعار السلع.
لكن ترمب، في المقابل، تمسّك بموقفه من نجاح تعريفاته الجمركية، وأعلن عن صرف مكافأة نقدية بقيمة 1776 دولاراً لكل مجند في الجيش من عوائد التعريفات، فضلاً عن تعهده سابقاً بأن نصيب كل مواطن أميركي من التعريفات الجمركية قد يبلغ 2000 دولار، قبل أن يسارع وزير خزانته، سكوت بيسنت، بتوضيح أن أولوية الحكومة هي "سداد الدين الوطني" وليس توزيع تلك الأموال على المواطنين.
ورأى مايكل ديش، أستاذ العلاقات الخارجية في جامعة نوتردام، أن نجاح التعريفات الجمركية، هي رواية "لا يوجد دليل واضح عليها"، لافتاً في حديث لـ"الشرق"، إلى أن الأكثر وضوحاً هو أن تلك التعريفات أضرت بالاقتصاد الأميركي، من خلال ما تسببت به من ارتفاع لمعدلات التضخم.
اتفاق غزة.. هل تحقق الوعد الانتخابي؟
قبيل انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2024، بدأ ترمب وأعضاء حملته زيارات مكوكية لمعاقل الأميركيين المسلمين، كما التقى ترمب، قبل أيام من الانتخابات، زعماء الجالية العربية والمسلمة في ميشيجان، الذين كانوا غاضبين وقتها من دعم إدارة بايدن الديمقراطية لحملة إسرائيل العسكرية في غزة.
وفاز ترمب بـ42% من الأصوات في مدينة ديربورن بولاية ميشيجان، التي ينحدر أكثر من نصف سكانها من أصول شرق أوسطية، وهو ما مثّل زيادة بنحو 15% عن سباق الرئاسة لعام 2020.
وقال روبرت ماكاو، مدير الشؤون الحكومية في مجلس العلاقات الأميركية-الإسلامية (CAIR)، وهو أحد أكبر جماعات الدفاع عن المسلمين في الولايات المتحدة، إن "المعارضة لدعم إدارة بايدن للحرب على غزة لعبت دوراً حاسماً في الانتخابات، ما أدى إلى انخفاض حاد في دعم نائبة الرئيس كامالا هاريس".
ورغم توصل الرئيس الأميركي لاتفاق أدى لوقف لإطلاق النار، في أكتوبر الماضي، فإن إدارته بشكل عام للحرب في غزة، لم تُترجم إلى زيادة واضحة في شعبيته بين المسلمين من ناحية، وشرائح تصويتية أخرى، بينها المحافظون أنفسهم من ناحية أخرى.
وأشار مايكل ديش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نوتردام، إلى أن ملف إسرائيل وغزة "أثبت أنه يحظى بأهمية بين مناصري (Maga) أكثر مما كان متوقعاً"، لافتاً إلى موقف أنصار الحركة اليمينية المحافظة من الحرب في غزة، فضلاً عن رفضهم لما يصفه بـ"التدخل الإسرائيلي في السياسة الأميركية".
وكانت مارجوري تايلور جرين، النائبة الجمهورية المستقيلة والحليفة السابقة لترمب، وصفت ما يحدث في قطاع غزة بأنه "إبادة جماعية"، فيما انتقدت هي ومؤثرون آخرون في الحركة استمرار دعم الولايات المتحدة لإسرائيل عسكرياً ومالياً، على حساب ملفات داخلية أميركية يرونها أولى بالإنفاق.
من جانبه، رأى الأستاذ بجامعة هارفارد، ستيفن والت، أن "اتفاق السلام الذي تفاوض عليه ترمب بدأ بالفعل في التعثر، كما أن دعمه الأحادي لإسرائيل يثير استياء بعض المنتمين إلى تيار أميركا أولاً، أما المسلمون، الذين كانوا غاضبين من بايدن، فقد أصبح لديهم الآن أسباب أكبر للغضب من ترمب".
أوكرانيا.. ومخاطرة "دعم بوتين"
بعد جولات من المفاوضات، واستقبال طرفي الحرب في أوكرانيا، يراهن الرئيس الأميركي على اقترابه مع إحداث اختراق في هذا الملف الشائك عبر توقيع اتفاق، قال إنه "بات أقرب من أي وقت مضى".
وينخرط مبعوث ترمب للسلام ستيف ويتكوف، ووزير خارجيته ماركو روبيو، في محادثات مع روسيا من ناحية، وأوكرانيا وحلفاؤها الأوروبيون من ناحية أخرى.
ويعتقد خبراء تحدثوا لـ"الشرق"، أن ترمب، الذي يُشدد على أهمية دوره في "إنهاء صراعات" والتوصل لاتفاقات سلام، سيروج لأي اتفاق لإنهاء الحرب التي بدأت أوائل عام 2022 في أوكرانيا، باعتباره "انتصاراً خارجياً لإدارته، وإثباتاً لنجاحه على الصعيد الدولي".
في المقابل، يعتبر الديمقراطيون أن إدارة ترمب "تخلت عن كييف"، عبر تعطيل شحنات عسكرية كان من المفترض تسليمها للجيش الأوكراني، إلى جانب الضغط عليها للقبول باتفاق يشمل تخليها عن أراض لموسكو، لا تسيطر القوات الروسية عليها حالياً، من دون الحصول على ضمانات أمنية ملموسة.
وقال مايكل ديش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة نوتردام، أن بعض النخب الأميركية تبدي انزعاجاً مما تصفه بأنه "تخلٍ عن أوكرانيا"، ورغم ذلك رجّح ديش أن "معظم الأميركيين سيكونون سعداء بإنهاء هذه الحرب أو على الأقل بعدم تورط الولايات المتحدة فيها بعد الآن"، وهو ما قد يُعزز من موقف الإدارة قبيل انتخابات التجديد النصفي.
من جانبه، أوضح ستيفين والت، الأستاذ بجامعة هارفارد، أن الأميركيين يرغبون في رؤية سلام في أوكرانيا، لكن من دون أن يشمل الاتفاق المحتمل أي مساعدة من جانب ترمب للرئيس الروسي فلاديمير بوتين "لتحقيق نصر" على حساب كييف.
وأضاف والت: "على الأرجح سينعكس اتفاق يخدم المصالح الروسية بالسلب على شعبية ترمب في الداخل الأميركي، لا سيما أن بوتين شخصية غير شعبية للغاية في الولايات المتحدة، وفي المقابل، هناك تعاطف كبير لأوكرانيا بين الأميركيين، وإذا ظهر ترمب وكأنه يقف إلى جانب بوتين، فإن ذلك سيُلحق به ضرراً سياسياً كبيراً".
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




