المملكة العربية السعودية: البيان الختامي لبعثة مشاورات المادة الرابعة لعام 2025
26 يونيو 2025
يصف البيان الختامي الاستنتاجات المبدئية التي يخلُص إليها خبراء صندوق النقد الدولي في ختام زيارة (أو "بعثة") رسمية تتم في الغالب إلى بلد عضو. وتوفَد البعثات باعتبارها جزءا من المشاورات المنتظمة (السنوية في العادة) بمقتضى المادة الرابعة من اتفاقية تأسيس الصندوق، في إطار ما يجري من مناقشات بشأن البرامج التي يتابعها خبراء الصندوق، أو في إطار ما يجريه الخبراء من عمليات متابعة أخرى للتطورات الاقتصادية.
وقد وافقت حكومة المملكة العربية السعودية على نشر هذا البيان. وتعبر الآراء الواردة في هذا البيان عن وجهات نظر خبراء الصندوق ولا تمثل بالضرورة آراء مجلسه التنفيذي. وبناء على الاستنتاجات الأولية التي خلصت إليها هذه البعثة، سيقوم خبراء الصندوق بإعداد تقرير يقدَّم إلى المجلس التنفيذي، بعد موافقة الإدارة العليا، للمناقشة واتخاذ القرار.
واشنطن العاصمة: أثبت اقتصاد المملكة العربية السعودية قدرته على الصمود بقوة في مواجهة الصدمات، إذ تُواصل الأنشطة الاقتصادية غير النفطية نموها، والتضخم تحت السيطرة، كما سجلت معدلات البطالة انخفاضا غير مسبوق. وفي حين أدى انخفاض عائدات النفط وكذلك الواردات المرتبطة بالاستثمارات إلى ظهور عجز مزدوج، فلا تزال هوامش الأمان الخارجية والمالية كبيرة. ويظل التوسع في الموقف المالي مقارنة بما خُطط له في الميزانية ملائمًا لتفادي اعتماد سياسة مالية مسايرة للدورة الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تفاقم تباطؤ النمو. ومن الضروري النظر في مسألة النمو الائتماني القوي والضغوط التمويلية ذات الصلة لتخفيف المخاطر على الاستقرار المالي النظامي. ونظرا لتصاعد حالة عدم اليقين العالمي في الوقت الراهن، لا بد من استمرار جهود الإصلاح الهيكلي للحفاظ على النمو غير النفطي وإعطاء دفعة لتنويع النشاط الاقتصادي.
آخر التطورات الاقتصادية[1]
أبدى اقتصاد المملكة العربية السعودية صمودا كبيرا في مواجهة الصدمات. ففي عام 2024، سجل إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي نموا بلغ 4,2%، مدفوعا في المقام الأول بالاستهلاك الخاص والاستثمار الخاص غير النفطي، في حين كانت قطاعات تجارة التجزئة والضيافة والبناء في طليعة مسيرة النمو. وأدى تكرار تمديد فترات تخفيض الإنتاج بموجب اتفاقية أوبك+ إلى استمرار حجم إنتاج النفط عند 9 ملايين برميل يوميا – وهو أدنى مستوى له منذ عام 2011 – مما نتج عنه انخفاض نسبته 4,4% في إجمالي الناتج المحلي النفطي، في حين سجل معدل النمو الحقيقي الكلي 1,8%. ويدل مؤشر مديري المشتريات المركب على استقرار النشاط في الربع الأول من عام 2025، حيث تشير آخر تقديرات إجمالي الناتج المحلي في الربع الأول من السنة إلى توسع الأنشطة غير النفطية بنسبة 4,9% محسوبة على أساس سنوي.
ولا تزال قوة الزخم في سوق العمل مستمرة. فقد تراجع معدل بطالة المواطنين السعوديين إلى مستوى قياسي بلغ 7% في عام 2024، متجاوزا الهدف الأصلي في "رؤية السعودية 2030"، والذي خُفِّضَ إلى 5%. ويتسم هذا التحسن باتساع نطاقه، حيث انخفضت معدلات بطالة الشباب والنساء بمقدار النصف على مدار فترة بلغت أربع سنوات. وسجل التوظيف في القطاع الخاص ارتفاعا بلغ 12% في المتوسط في عام 2024، في حين استمر تباطؤ التوظيف في القطاع الحكومي، نتيجة لإعادة التعيين في الكيانات غير الحكومية.
ويظل التضخم قيد الاحتواء في ظل تباطؤ تضخم الإيجارات. وبرغم ارتفاع التضخم الكلي بنسبة طفيفة حيث بلغ 2,3% في إبريل 2025، إلا أنه لا يزال منخفضا، بدعم من ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية. وساعد تراجع أسعار النقل والاتصالات على موازنة تضخم إيجارات المساكن، الذي تباطأ للشهر السادس على التوالي مسجلا 8,1% على أساس سنوي (وهي أدنى نسبة ارتفاع سنوي منذ فبراير 2023). وظلت الأجور الحقيقية مستقرة، مع ارتفاع طفيف في أجور العمالة عالية المهارات.
وسجل الحساب الجاري عجزا طفيفا، إذ تحول من تحقيق فائض قدره 2,9% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023 إلى عجز نسبته 0,5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2024. ويرجع هذا التحول بصفة أساسية إلى انخفاض عائدات الصادرات النفطية، وزيادة الواردات من الآلات والمعدات، وقوة التدفقات الخارجة من تحويلات العاملين الوافدين – وكلها عوامل عوضت طفرة تدفقات السياحة الداخلة وفاقتها. وأمكن تمويل عجز الحساب الجاري من خلال الاقتراض الخارجي والحد من تراكم الأصول بالنقد الأجنبي. ونتيجة لذلك، استقرت حيازات البنك المركزي السعودي (ساما) من صافي الأصول الأجنبية وبلغت قيمتها 415 مليار دولار بنهاية عام 2024 – وهو ما يعادل 15 شهرا من الواردات و187% من مقياس صندوق النقد الدولي لكفاية الاحتياطيات.
وفي حين أدى تجاوز حدود الإنفاق إلى تفاقم عجز المالية العامة الكلي، أبدى رصيد المالية العامة تحسنا طفيفا في عام 2024، عند قياسه بالرصيد الأولي غير النفطي. وكانت النفقات الإضافية ذات الصلة بتمويل المشروعات – الذي يرتبط جزئيا بتعجيل وتيرة تنفيذ "رؤية السعودية 2030" - وثبات إيرادات النفط قد أدت إلى اتساع عجز المالية العامة الكلي وبلوغه 2,5% من إجمالي الناتج المحلي – أي أعلى بنحو 0,8 نقطة مئوية من الهدف المقرر في الميزانية. ومع هذا، فقد تراجع العجز الأولي غير النفطي، مدفوعا بزيادة الإيرادات غير النفطية، ومسجلا انخفاضا قدره 0,6 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي في عام 2024 مقارنة بعام 2023. وارتفع دين الحكومة المركزية إلى 26,2% من إجمالي الناتج المحلي حيث أصبحت المملكة العربية السعودية أكبر الأسواق الصاعدة المصدرة للدين بالدولار في عام 2024. ومع هذا، لا تزال المملكة العربية السعودية من أقل البلدان من حيث مستوى الدين على مستوى العالم وصافي دينها منخفض نسبيا فلا يتجاوز 17% تقريبا من إجمالي الناتج المحلي.
الآفاق والمخاطر الاقتصادية
سيظل الطلب المحلي القوي – بما في ذلك من المشاريع التي تقودها الحكومة – هو القوة المحركة للنمو برغم تصاعد حالة عدم اليقين العالمي وتراجع التوقعات لأسعار السلع الأولية. ويُتوقع بلوغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي غير النفطي 3,4% في عام 2025، أي أقل بنحو 0,8 نقطة مئوية عن عام 2024. ويرجع ذلك إلى الاستمرار في تنفيذ مشروعات "رؤية السعودية 2030" من خلال الاستثمارات العامة والخاصة، وكذلك إلى قوة نمو الائتمان، والذي يمكن أن يساعد في الحفاظ على الطلب المحلي وتخفيف وطأة تأثير انخفاض أسعار النفط. ويظل التأثير المباشر من ارتفاع التوترات التجارية العالمية محدودا، نظرا لإعفاء المنتجات النفطية من التعريفات الجمركية الأمريكية، حيث شكلت هذه المنتجات 78% من صادرات السلع من المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة في عام 2024، في حين أن الصادرات غير النفطية إلى الولايات المتحدة لا تتجاوز 3,4% من مجموع الصادرات غير النفطية من المملكة. وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن يؤدي الطلب المحلي – بما في ذلك زخم الفترة التي تسبق استضافة المملكة العربية السعودية لفعاليات دولية كبيرة – إلى بلوغ النمو غير النفطي قرابة 4% في عام 2027 قبل استقراره عند 3,5% بحلول عام 2030. وبفضل الجدول الزمني للإلغاء التدريجي لتخفيضات إنتاج النفظ بموجب اتفاقية أوبك+، سيلقى نمو إجمالي الناتج المحلي الكلي دعما وتتسارع وتيرته ليبلغ 3,5% في عام 2025 و3,9% في عام 2026 قبل أن يستقر عند نحو 3,3% على المدى المتوسط.
وسيحافظ التضخم على ركيزته في حدود 2%، تدعمه مصداقية نظام ربط العملة بالدولار الأمريكي، والدعم المحلي، ومرونة عرض العمالة الوافدة، على الرغم من توقع حدوث فجوة موجبة متوسطة في الناتج على المدى المتوسط. ومن المتوقع أن التضخم المستورد من زيادة التعريفات الجمركية في أنحاء العالم سيظل قيد الاحتواء.
والمركز الخارجي سيتراجع، حيث تشير التوقعات إلى أن الواردات المرتبطة بالاستثمارات والتدفقات الخارجة من تحويلات العاملين نتيجة للتوسع في جلب العمالة الوافدة ستؤديان إلى اتساع عجز الحساب الجاري، الذي يُتوقع أن يصل إلى مستوى ذروته حين يبلغ نحو 3,9% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2027 قبل أن يقترب من نحو 3,4% من إجمالي الناتج المحلي في 2030. وسوف يترتب على زيادة الصادرات غير النفطية وقوة السياحة الداخلة تأثير موازن جزئيا. وسيزداد تمويل العجز من خلال السحب من الودائع، والحد من تراكم الأصول بالنقد الأجنبي في الخارج، والاقتراض الخارجي. وسوف تظل الاحتياطيات الدولية كافية فهي تغطي حوالي 11-12 شهرا من الواردات على المدى المتوسط، حيث لا تزال الأصول الخارجية التي يحوزها صندوق الاستثمارات العامة وكيانات أخرى مرتبطة بالحكومة تشكل هوامش احتياطية إضافية قوية.
وتميل المخاطر المحيطة بالآفاق إلى التطورات السلبية بصفة أساسية. فضعف الطلب على النفط، الذي يرجع إلى تزايد حالة عدم اليقين، وتصاعد التوترات التجارية العالمية، وتعمق التشتت الجغرافي-الاقتصادي يمكن أن يفضي إلى تراجع إيرادات النفط. وسوف يؤدي ذلك بدوره إلى ارتفاع عجز المالية العامة والدين، وزيادة تكاليف التمويل. وقد يؤدي حدوث انخفاض مفاجئ في إنفاق الحكومة (بما في ذلك إعادة معايرة المشروعات دون مستواها في السيناريو الأساسي) أو تباطؤ تنفيذ الإصلاحات في مواجهة انخفاض أسعار النفط إلى فرض مزيد من المعوقات أمام نمو الاستثمار الخاص. وعلى العكس من ذلك، فارتفاع إنتاج/أسعار النفط إلى مستويات تفوق التوقعات وتعجيل وتيرة تنفيذ الإصلاحات يمكن أن يحققا مكاسب على صعيد النمو بدرجة أقوى وفي وقت أبكر من المتوقع.
السياسات
سياسة المالية العامة
موقف المالية العامة في عام 2025 – الذي أدى إلى تسجيل عجز بلغ ضعف الهدف المحدد في الميزانية – لا يزال ملائما. فبالنظر إلى التجاوزات السابقة لحدود الإنفاق والمشروعات التحويلية الجارية المرتبطة برؤية السعودية 2030، يتوقع خبراء الصندوق بلوغ النفقات الجارية مستويات أعلى من المتوقعة في الميزانية. وإلى جانب انخفاض أسعار النفط وتوزيع شركة أرامكو الحد الأدنى من الأرباح المرتبطة بالأداء، سيؤدي ذلك إلى بلوغ عجز المالية العامة الكلي 4,3% من إجمالي الناتج المحلي. ومع هذا، لا تزال هذه النتيجة تعكس تحسنا في الرصيد الأولي غير النفطي قدره 3,6 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وهو ما يساهم فعليا في تركيز جزء من التعديل اللازم مع حلول عام 2030 في بداية الفترة دعما للعدالة بين الأجيال. وبالنظر إلى التعديل في بداية الفترة ووفرة هوامش الأمان المالي المتاحة، يرى خبراء الصندوق أن تقييد الإنفاق بشكل إضافي في 2025 غير ضروري، إذ قد يؤدي إلى سياسة مالية مسايرة للدورة الاقتصادية وتفاقم تباطؤ النمو
ويُتوقع انخفاض عجز المالية العامة الكلي على المدى المتوسط. فبعد وصوله إلى مستوى ذروة بلغ 4,3% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2025، سيتراجع إلى ما يقرُب من 3,3% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030، تدفعه العملية المستمرة لاحتواء فاتورة الأجور وتدابير كفاءة الإنفاق. وفي ظل هذا السيناريو الأساسي، سوف يسجل العجز الأولي غير النفطي انخفاضا بنحو 4,2% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي خلال الفترة من عام 2025 إلى عام 2030. وسوف يُمَوَّل عجز المالية العامة في المقام الأول عن طريق الاقتراض، بما في ذلك من خلال إصدارات الدين، أو القروض المصرفية المشتركة أو التسهيلات التي تقدمها وكالات ائتمان الصادرات، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي وبلوغه نحو 42% بحلول عام 2030.
وسيظل ضبط أوضاع المالية العامة بالتدريج ضروريا على المدى المتوسط لتحقيق العدالة بين الأجيال. فمن أجل تجنب التعديلات المربكة وبناء هوامش الأمان، يجب توليد زيادة قدرها 3,3% إضافية في إجمالي الناتج المحلي غير النفطي على مدار الفترة من 2026–2030، وذلك بصفة أساسية من خلال:
تعبئة الإيرادات غير النفطية: يرحب خبراء الصندوق بخطط زيادة سعر الضريبة على الأراضي غير المُطَوَّرة، وتطبيق ضريبة على الأراضي البيضاء، وتوسيع قاعدة ضريبة القيمة المضافة (لتشمل معاملات التجارة الإلكترونية، على سبيل المثال). وسيتعين بذل جهود إضافية، بما في ذلك من خلال اتخاذ تدابير جديدة على صعيد السياسة الضريبية ومواصلة بذل الجهود لتعزيز الإدارة الضريبية. وينبغي عدم تجديد مبادرة إلغاء الغرامات والإعفاء من العقوبات المالية الضريبية، التي تم تمديدها عدة مرات منذ جائحة كوفيد، عندما تنتهي مدتها في شهر يونيو لأنها تسبب مخاطر سلوكية ويمكن أن تضعف الامتثال الضريبي.
رفع الدعم عن الطاقة: يرحب خبراء الصندوق بالتعديلات الجارية لأسعار الطاقة – بما في ذلك مضاعفة أسعار الديزل منذ يناير 2024 – والتي ساهمت، مقترنة بانخفاض أسعار النفط الدولية، في تخفيض دعم الوقود إلى 3,5% من إجمالي الناتج المحلي (مقابل 5,5% في عام 2022). ومع اقتراب أسعار بيع الوقود بالتجزئة من أسعار النفط الدولية والتوسع المخطط في برنامج الدعم الاجتماعي "ضمان" الموجه للمستحقين، ينبغي تعجيل الجهود الرامية إلى الحد من دعم الطاقة، بوسائل منها إلغاء الحد الأقصى لأسعار البنزين.
ترشيد النفقات الأخرى: ترحب البعثة بالمراجعات الجارية للإنفاق بهدف تحديد مجالات الادخار ومكاسب الكفاءة المحتملة، بما فيها التقييمات التي أجرتها مختلف الكيانات الحكومية مؤخرا بشأن تنفيذ المشروعات. وفي سياق مواصلة الترشيد، ينبغي إعطاء الأولوية لتخفيض النفقات الجارية بمضاعف مالي منخفض، مع الحفاظ على خطط البنية التحتية المعززة للنمو على المدى المتوسط. ويمكن لزيادة الشفافية بشأن اتساق تحديد أولويات الإنفاق وإعادة معايرتها مع خطط الاستثمار التي أعلنتها الحكومة أن تزيد ثقة المستثمرين.
ونظرا لارتفاع حالة عدم اليقين العالمي، يرحب خبراء الصندوق بتخطيط الحكومة للطوارئ بهدف ضمان استدامة المالية العامة في حالة التعرض لصدمة قوية. وفي ظل سيناريو تنخفض فيه أسعار النفط بشكل كبير، سيكون من الضروري انتهاج استراتيجية أشد لضبط أوضاع المالية العامة. فتحديد المشروعات التي يمكن تمديدها أو خفضها وترتيبها حسب الأولوية، إذا لزم إجراء مزيد من التصحيح، يمثل منهجا حريصا للحفاظ على استدامة المالية العامة. ويوصي خبراء الصندوق بالسحب الجزئي من هوامش الأمان المالي في حالة مواجهة صدمة مؤقتة في أسعار النفط، وهو ما من شأنه أن يساعد على تمهيد التحول إلى حالة مستقرة وتخفيف وطأة تأثير تقلبات أسعار النفط على المدى القصير.
ويكتسب استمرار الجهود الجارية التي تبذلها الحكومة لتعزيز مؤسسات المالية العامة أهمية بالغة في دعم تصحيح أوضاع المالية العامة وأهداف "رؤية السعودية 2030". ويظل تعزيز إطار المالية العامة متوسط الأجل إحدى الأولويات، وخاصة من خلال تحسين دمج توقعاته متعددة السنوات في عملية إعداد الميزانية السنوية لتحقيق اتساق الحدود القصوى للإنفاق مع تنبؤات المالية العامة، بما في ذلك الالتزامات بموجب العقود متعددة السنوات. ومن شأن تفعيل قاعدة مالية قائمة على النفقات وضمان الامتثال لها المساعدة على تثبيت موقف المالية العامة على المدى المتوسط.
يكتسب الحرص في إدارة الدين واعتماد إطار مناسب لإدارة الأصول والخصوم السيادية أهمية متزايدة في بيئة تتسم بانخفاض أسعار النفط. وتحث البعثة حكومة المملكة على تقييم المفاضلات المعقدة بين استخدام ودائع الحكومة المركزية بقدر أكبر (تبلغ حاليا حوالي 9,25% من إجمالي الناتج المحلي) وإصدارات السندات الجديدة. وتؤيد البعثة كذلك الجهود الحالية لتفعيل إطار شامل لإدارة الأصول والخصوم السيادية بهدف تعزيز مراقبة انكشاف الميزانية العمومية السيادية، حيث سيسهم نشره إلى جانب بيان الميزانية في تعزيز الشفافية وتوفير أدوات إضافية لتحليل سياسة المالية العامة وصياغتها. وإضافة إلى ذلك، ينبغي مراقبة الالتزامات الاحتمالية عن كثب، مثل التزامات تمويل المشروعات الكبرى، وضمانات الديون، وعلاقات الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
السياسة النقدية وسياسة سعر الصرف
استمر البنك المركزي السعودي في تطوير إطار إدارة السيولة للمساهمة في الحد من تقلبات مستويات السيولة ككل. وتتأثر أوضاع التمويل المصرفي في المملكة العربية السعودية بقوة النمو الائتماني ثنائي الرقم، مع الارتفاعات الحادة الدورية في فروق العائد بين سعر الفائدة بين البنوك السعودية (سايبور) وسعر التمويل المضمون لليلة واحدة (سوفر) انعكاسا لفترات من الضغوط على السيولة. وينبغي أن يظل تركيز عمليات البنك المركزي السعودي النقدية المعيارية القائمة على السوق منصبا على تمهيد اختلالات السيولة قصيرة الأجل بدون تعزيز نمو الأصول أو الائتمان. ومن المتوقع أن يؤدي الاتفاق مؤخرا على تبادل البيانات بين البنك المركزي السعودي ووزارة المالية فيما يتعلق بالمعاملات الحكومية المتوقعة إلى تحسين دقة تنبؤات السيولة وينبغي تنفيذه بفعالية. وإضافة إلى ذلك، من شأن مواصلة تعزيز إطار الاحتياطي الإلزامي المساهمة في تعزيز إطار الإدارة الفعالة للسيولة وانتقال آثار السياسة النقدية.
ولا تزال سياسة ربط العملة بالدولار الأمريكي ملائمة، فهي توفر ركيزة ذات مصداقية للسياسة النقدية، كما أنها مدعومة بهوامش أمان خارجية معتبرة. وفي ظل وجود حساب رأسمالي مفتوح، من الضروري أن يظل سعر الفائدة الأساسي للبنك المركزي السعودي متسقا مع سعر الفائدة الأساسي للاحتياطي الفيدرالي.
سياسات القطاع المالي
لا يزال القطاع المصرفي محتفظا بقدرته على الصمود، وهو ما يبرهن قوة رسملته وربحيته رغم ارتفاع تكاليف التمويل. وحسب الوضع في نهاية عام 2024، بلغت نسبة ملاءة القطاع 19,6%. وبرغم ارتفاع تكاليف التمويل – بسبب الحصة المتزايدة من الودائع محددة الأجل والودائع الادخارية – تحقق البنوك ربحية عالية، حيث بلغ متوسط العائد على الأصول 2,2% في عام 2024. ووصلت القروض المتعثرة إلى أدنى مستوياتها منذ عام 2016، مما يعزز الاستقرار المالي الكلي. وتتسم مؤشرات السيولة بكفايتها وأنها ضمن الحدود التنظيمية، رغم تراجع نسبة الأصول السائلة إلى الخصوم قصيرة الأجل، وظلت نسبة القروض إلى الودائع التنظيمية في اتجاه تصاعدي.
نمو الائتمان بقوة يؤدي إلى ضغوط تمويلية وتغير مكونات مصادر التمويل لدى البنوك السعودية. ومع تجاوز نمو الائتمان – الذي يُمنح معظمه للشركات وللقروض العقارية – لنمو الودائع، تعمل البنوك على تنويع التزاماتها عن طريق زيادة الاعتماد على أشكال أخرى من التمويل، ولا سيما الاقتراض الخارجي في شكل سندات، والقروض الثنائية أو المشتركة، وشهادات الإيداع. ونتيجة لارتفاع الاقتراض الخارجي أصبح صافي الأصول الأجنبية للبنوك سالبا في عام 2024 للمرة الأولى منذ عام 1993. ويُتوقع استمرار هذا الاتجاه على المدى القريب في ظل سعي العديد من البنوك حاليا للحصول على على مزيد من التمويل الخارجي. ومع هذا، لا يزال انكشاف البنوك لمخاطر النقد الاجنبي منخفضا.
معالجة النمو الائتماني القوي وضغوط التمويل المصاحبة من شأنها أن تساعد في الحد من المخاطر على الاستقرار المالي النظامي. وترحب البعثة بجهود البنك المركزي السعودي الجارية لمراجعة مجموعة أدواته الاحترازية الحالية في مواجهة المخاطر التي تنشأ من استمرار نمو الائتمان ثنائي الرقم في ظل الفجوة المتزايدة بين نمو الائتمان ونمو الودائع، والاعتماد المتنامي على تمويل خارجي قصير الأجل. وفي ظل التوقعات باستمرار ارتفاع الطلب على القروض مقارنة بالتمويل القائم على الودائع، من الضروري وضع شروط احترازية تتناسب مع المخاطر المتطورة. وفي هذا الصدد، ترحب البعثة بالخطوة التي اتُخِذَت في مايو 2025 لتحديد هامش الأمان الرأسمالي لمواجهة التقلبات الدورية بمقدار 100 نقطة أساس، والذي سيبدأ تفعيله خلال عام. ويمكن مواصلة تخفيف مواطن التعرض للمخاطر من خلال: (1) تقليص نسب القروض إلى القيمة وأعباء الديون، التي لا تزال مرتفعة مقارنة بالمعايير الدولية؛ و(2) تشديد نسبة القروض إلى الودائع لمحاولة الحد من الاعتماد المفرط على التمويل قصير الأجل بالنقد الأجنبي. وترحب البعثة بمنهج البنك المركزي السعودي الاستباقي في مراقبة نسبة تغطية السيولة وصافي نسبة التمويل المستقر بالنقد الأجنبي وتحثه على النظر في تحديد هذه النسب بوصفها شروطا تنظيمية، إذا سمحت الظروف.
الجهود المتواصلة التي يبذلها البنك المركزي السعودي لتعزيز الأطر التنظيمية والرقابية جديرة بالثناء. فقد رُفِع النظام المصرفي الجديد لموافقة السلطة التشريعية، ويجري العمل حاليا على تنقيح إطار إشرافي يقوم على المخاطر، ووُضِعَ نظام للرقابة على مشروعات الإنشاءات والبنية التحتية الكبرى. وإضافة إلى ذلك، يجري حاليا تفعيل وظيفة تسوية أوضاع البنوك في البنك المركزي السعودي. وحقق البنك المركزي تقدما جيدا كذلك نحو إنشاء إطار لإدارة الأزمات يتضمن إطارا لمساعدات السيولة الطارئة، والذي ينبغي استكماله دون تأخير لا مبرر له. وإضافة إلى ذلك، يجدر الترحيب بأوجه التحسن في تعزيز فعالية الرقابة على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بوسائل منها عمليات التفتيش المتخصصة حسب الموضوع.
تمثل عملية تعميق السوق المالية خطوة جوهرية للمساعدة على تنويع مصادر التمويل والحد من الاعتماد على التمويل المصرفي. ورغم أن السوق المالية لا تزال خاضعة لهيمنة جهات الإصدار الكبيرة المرتبطة بالحكومة وأحجام التداول منخفضة، فإن المبادرات الأخيرة والجارية، مثل نظام الاستثمار الذي أصبح ساريا في فبراير 2025، والإصلاحات الجارية بشأن معاشات التقاعد والمدخرات، ينبغي أن تحسن سيولة السوق وتزيد المشاركة الأجنبية في السوق المالية السعودية. وسوف يؤدي التوسع في استخدام الأوراق المالية المضمونة بأصول إلى إيجاد فئة أصول جديدة ويساهم في توسع التمويل في النظام المصرفي. ومن شأن تعميق الأسواق المالية المحلية أن يساعد كذلك على تحسين آلية انتقال السياسة النقدية.
السياسات الهيكلية
تؤكد البيئة الحالية من عدم اليقين المتزايد أهمية استمرار جهود الإصلاح الهيكلي لدعم النمو غير النفطي وتنويع النشاط الاقتصادي. فمنذ عام 2016، نفذت المملكة العربية السعودية إصلاحات كبيرة على نطاق واسع، ولا سيما في تنظيم الشركات والحوكمة وسوق العمل والسوق المالية. وهناك العديد من الأنظمة العدلية التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2025 – منها نظام الاستثمار المُحَدَّث، وتعديلات نظام العمل، ونظام السجل التجاري الجديد – من شأنها أن تعزز ثقة المستثمرين والشركات بشأن العقود، فضلا على دعم مكاسب الإنتاجية.
وينبغي أن يستمر زخم الإصلاح بغض النظر عن تطورات أسعار النفط. ويظل العمل الجاري لتعزيز إطار مكافحة الفساد مطلبا حيويا، بما في ذلك من خلال البناء على "قواعد ملكية الانتفاع النهائية" التي اعتُمِدَت مؤخرا ولوائح هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة). ويأتي على القدر نفسه من الأهمية تعزيز رأس المال البشري من خلال تحقيق الاتساق بين مهارات المواطنين السعوديين واحتياجات سوق العمل المتطورة، وتحسين إمكانات الحصول على التمويل وتعزيز التحول الرقمي، وكلها عوامل رئيسية للمُضي قُدُما نحو تحقيق أهداف المملكة لتنويع النشاط الاقتصادي التي يعززها دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات الحكومية. وإضافة إلى تقوية مؤسسات المالية العامة، فمن شأن السعي لتنفيذ هذه الإصلاحات مساعدة المملكة العربية السعودية في بناء قدرة أكبر على الصمود في مواجهة تقلب أسعار النفط.
وينبغي للقرارات الموجهة من خلال السياسات الصناعية أن تكمل الإصلاحات الهيكلية، لا أن تحل محلها، ويجب أن تتجنب مزاحمة استثمارات القطاع الخاص. وينبغي أن يظل تركيز دور صندوق الاستثمارات العامة والجهات الحكومية منصبا على المجالات التي تكون الاستثمارات الخاصة فيها محدودة، أو حيث توجد اختلالات في أداء السوق، أو حيث يمكنها القيام بدور محفز في جذب رأس المال الخاص، لا أن تنطوي على احتمالات إزاحة المستثمرين المحليين والأجانب. وينبغي أن تتضمن السياسات الصناعية معايير تخارج، وآليات لاسترداد الدعم عند الإخفاق في تحقيق النتائج، وبنود إنهاء محددة الأجل، لضمان عدم استمرار التدخلات بعد زوال الحاجة إليها.
يود فريق البعثة توجيه الشكر إلى حكومة المملكة العربية السعودية وجميع الأطراف الذين التقى بهم الفريق من خارج القطاع الحكومي على تعاونهم الوثيق، وعلى ما اتسمت به المناقشات من وضوح ومعلومات مثرية، وعلى كرم الضيافة.
[1] الأرقام المُشار إليها كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي تستند إلى تعديل الحكومة لسنة الأساس الجديدة في إعداد بيانات إجمالي الناتج المحلي التي نُشِرَت في مايو 2025. ويتسق التحديث المنهجي الجديد عموما مع أفضل الممارسات الدولية ونظام الحسابات القومية للأمم المتحدة.
إدارة التواصل، صندوق النقد الدولي
قسم العلاقات الإعلامية
مسؤول الشؤون الصحفية: Wafa Amr
هاتف:7100-623 202 1+بريد إلكتروني: [email protected]
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً