اليوم العالمي لمحو الأمية: أطفال بلا مدارس وكبار يبدأون من الصفر في سوريا

في اليوم العالمي لمحو الأمية (8 أيلول/سبتمبر)، تبقى الأنظار على سوريا، حيث تدهورت مستويات التعليم بشكل كارثي منذ اندلاع الحرب قبل أكثر من 14 عاما، تاركةً ملايين الأطفال خارج المدارس، فيما يحاول بعض الكبار بدء رحلة التعلم من جديد بعد فوات عقود.
من تعليم شبه شامل إلى انهيار مدرسي
حققت سوريا إنجازًا لافتًا في محو الأمية والتعليم قبل عام 2011 أي في العام الذي اندلعت فيه الثورة السورية، إذ بلغت نسبة الالتحاق بالمدارس حوالي 95%، مع شبه شمول كامل في التعليم الابتدائي. لكن مع اندلاع الحرب، انهارت هذه المكاسب؛ فتراجع معدل الالتحاق من 91% عام 2011 إلى 37% فقط بحلول 2015.
وأشارت تقديرات منظمة "أنقذوا الأطفال" العام الماضي إلى أن أكثر من نصف أطفال سوريا خارج مقاعد الدراسة، أي نحو 3.7 مليون طفل، ما يجعلهم مهددين بضياع مستقبلهم بعد 14 عامًا من الحرب.
ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها: دمار المدارس أو استخدامها كملاجئ للنازحين، الأوضاع الاقتصادية القاسية، وعمالة الأطفال والزواج المبكر. ووفق الأمم المتحدة، هناك نحو 7.5 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، بينهم 6.4 مليون يعانون من آثار نفسية صادمة بسبب الحرب.
دلال.. بداية جديدة على مقاعد محو الأمية
نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على موقعه الرسمي قصة دلال، المرأة الخمسينية من ريف دير الزور الشرقي ، كأحد النماذج الملهمة لبرامج محو الأمية وتمكين النساء في سوريا، حيث كانت من بين هؤلاء الذين عانوا من آثار غياب التعليم.
لطالما شعرت دلال بالحرج لعدم قدرتها على القراءة أو الكتابة، خاصة عندما كان يطلب منها أبناء أخيها المساعدة في دروسهم. تقول: "كنت أتصرف وكأنني مشغولة أو متعبة حتى أتجنب المواقف المحرجة".
مع وفاة زوجها وفقدانها مصدر الدخل الوحيد بسبب الحرب، اضطرت للعمل في مهن بسيطة داخل سوريا وخارجها، حتى وصلت إلى ورش الخياطة في لبنان وتركيا. لكنها واجهت تحديًا إضافيًا: "لم أكن أعرف الحساب أو كيفية القياس. كنت أستخدم كفي وأصابعي لقياس الملابس".
عادت دلال إلى قريتها بعد رحلة نزوح طويلة، لتجد نفسها أمام فرصة غير متوقعة: المشاركة في مشروع لإزالة الأنقاض بإشراف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ثم الالتحاق بدورات لمحو الأمية.
"أذكر يومي الأول في الصف وسعادتي عندما استلمت زي العمل،كان الأمر غريبا لأن الناس في قريتنا لم يعتادوا على رؤية النساء يعملن في هذا المجال. لا أشعر بالخجل بل على العكس أشعر بالفخر لأنني أساهم في تنظيف بلدي وقريتي وبيتي"
عندما حصلت دلال على راتبها الأول، توجهت مباشرةً إلى المتجر لشراء بعض المواد الغذائية، لكنها لم تكن تعرف الحساب جيدًا، فأعطت البائع كل ما بحوزتها وطلبت منه إعادة الباقي. ضحك البائع عندما اكتشف أنها لا تزال مدينة له عشرة آلاف ليرة سورية.
بعد فترة، سمعت دلال عن دورات محو الأمية التي ينظمها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وأدركت أن هذه فرصة لتغيير حياتها. تقول: "كنت أرغب بشدة في تعلم القراءة والكتابة والحساب. أتذكر يومي الأول في الصف، كنا ننظر إلى السبورة ونضحك لأننا لم نفهم ما هو مكتوب عليها. كنت أعلم أن الأمر لن يكون سهلاً في هذا السن، لكنني شعرت بإصرار أكبر من أي وقت مضى على التعلم."
من التعلم إلى الاستقلال الاقتصادي
بعد أشهر من التدريب، بدأت دلال تقرأ اللافتات في الشارع وتدير حساباتها البسيطة بنفسها، قبل أن تخطو خطوة أكبر: افتتاح ورشة خياطة خاصة بها، مستفيدة من دعم مشروع صغير في المنطقة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) "باستثمار المبلغ الذي حصلت عليه اشتريت آلات خياطة،اليوم، لدي عمل ثابت وأدرب فتاة شابة على الخياطة. أصبح الناس يعرفونني، وأساهم في إعالة أسرتي".
على الرغم من القصص الملهمة مثل قصة دلال، إلا أن واقع التعليم في سوريا يواجه عقبات جسيمة تعيق التعافي الشامل. فيما يلي أبرز هذه التحديات وفقا لـ(UNDP):
• ثلث المدارس في سوريا (أكثر من 7 آلاف) مدمرة أو متضررة.
• الفقر وتأثيره على الأطفال، بما في ذلك دخولهم سوق العمل والزواج المبكر
• فجوات تعليمية تصل إلى ست سنوات مقارنةً بأقران الأطفال عالميًا.
• غياب تمويل مستدام للتعليم، ما يجعل التركيز على تجهيزات سطحية بدل تحسين جودة التعلم.
• معاناة المعلمين من تدني الدخل، غياب التدريب، وتأثير الصدمات الجماعية.
بينما تحاول مبادرات محلية ودولية سد بعض الفجوات، يبقى الطريق طويلًا نحو إعادة بناء منظومة تعليمية قادرة على استيعاب ملايين السوريين الذين انقطعوا عن التعلم خلال سنوات الثورة السورية حتى سقوط النظام المخلوع.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً