تحولات جيو-اقتصادية.. هل يصبح الشرق الأوسط القلب النابض للتجارة العالمية؟

تم تحديثه الإثنين 2025/9/8 02:46 م بتوقيت أبوظبي
يشهد العالم في السنوات الأخيرة زلزالا اقتصاديا صامتا، يتمثل في إعادة تشكيل خريطة التجارة العالمية على وقع التوترات الجيوسياسية، وتفاقم النزاعات التجارية بين القوى الكبرى، والتحولات العميقة في الممرات البحرية والبرية.
في قلب هذه العاصفة، تبرز المنطقة العربية، كلاعب محوري يسعى إلى الاستفادة من موقعه الجغرافي الفريد، وموارده الطبيعية، واستثماراته في البنية التحتية واللوجستيات، ليعيد التموضع في النظام التجاري الجديد الذي يتشكل أمام أعيننا.بين «أمريكا أولا» و«صنع في الصين».. التجارة العالمية تعيش لحظة «الاحتضار»في عالم يموج بالتحولات السياسية والاقتصادية، يطل الشرق الأوسط مجددا إلى واجهة المشهد العالمي، ليس فقط كمصدر للطاقة، بل كمركز محوري يعيد رسم خريطة التجارة العالمية. فعلى وقع النزاعات الجيوسياسية، والحروب التجارية بين القوى الكبرى، وإعادة هيكلة سلاسل التوريد، تقف المنطقة العربية أمام فرصة تاريخية للتحول من مجرد مورد وسوق، إلى لاعب استراتيجي في النظام التجاري العالمي الجديد.هذه التحولات تناقشها، النسخة الثانية من منتدى هيلي الدولي، اليوم الإثنين، في العاصمة الإماراتية أبوظبي بمشاركة واسعة من قادة سياسيين وخبراء اقتصاديين ورواد فكر وأكاديميين من مختلف أنحاء العالم.
الاقتصاد العالمي في عصر العولمةويبرز المحور الجيواقتصادي، كأبرز محاور النقاش، حيث يستكشف المشاركون التغيرات الجوهرية التي يشهدها الاقتصاد العالمي في ظل ما تفرضه التجزئة والحمائية من تحديات في ظل عصر العولمة، والفرص المتاحة أمام من يمتلكون القدرة على الابتكار والتموضع الاستراتيجي، بما يُمكِّنهم من التعامل مع المشهد الاقتصادي المتطور.بالعودة للوراء سنجد أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، هيمن نموذج التجارة الحرة المرتبط بمؤسسات مثل منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن العقد الأخير شهد تحديات غير مسبوقة لهذا النموذج، نتيجة صعود الحمائية والرسوم الجمركية، خصوصا بين الولايات المتحدة والصين.حرب الرسوم الجمركية التي اندلعت عام 2018 بين واشنطن وبكين مثلت نقطة تحول حاسمة، إذ كسرت أوهام "العولمة بلا حدود"، وأعادت الاعتبار لفكرة "الأمن الاقتصادي" كعنصر أساسي في السياسات التجارية. ومع تفاقم الصراع التكنولوجي والقيود على أشباه الموصلات وسلاسل التوريد، بدا واضحا أن التجارة العالمية لم تعد تدور فقط حول الكفاءة الاقتصادية، بل حول النفوذ الجيوسياسي أيضا.ففرض الرسوم الجمركية المتبادلة كشف هشاشة الترابط المفرط بين الاقتصادين الأكبر في العالم. ثم جاءت جائحة كوفيد-19 لتعري نقاط الضعف في سلاسل التوريد العالمية، حيث توقفت المصانع وأغلقت الحدود، فارتفعت أسعار السلع ونقصت المواد الأساسية. وأخيرا، زادت الحرب في أوكرانيا من اضطراب الأسواق، خاصة في مجالات الطاقة والغذاء.التجارة العالمية رهينةهذه العوامل مجتمعة أعادت إلى الواجهة سؤالا كبيرا: هل تظل التجارة العالمية رهينة لمبدأ الكفاءة الاقتصادية وحده، أم أن الأمن الاقتصادي والجيوسياسي بات المحدد الأهم؟أحد المفاهيم الأكثر تداولا اليوم هو "فك الارتباط"، ويقصد به تقليص الاعتماد المتبادل بين الاقتصادات الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين. هذا التوجه دفع الشركات متعددة الجنسيات إلى البحث عن بدائل في آسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.دول مثل فيتنام والهند استفادت بالفعل من هذه التحولات، لكن المنطقة العربية تمتلك فرصة فريدة لطرح نفسها كممر بديل أو مكمل، نظرا لموقعها الاستراتيجي على طرق التجارة بين الشرق والغرب، وامتلاكها لموانئ متطورة مثل جبل علي في دبي، وميناء الدخيلة في مصر، وميناء الدقم في عمان.الممرات الاقتصاديةإلى جانب إعادة توزيع سلاسل التوريد، يشهد العالم صعود "الممرات الاقتصادية" كأدوات استراتيجية لإعادة تشكيل حركة التجارة. ومن أبرزها: الممر الهندي - الشرق الأوسط - أوروبا (IMEC) الذي أعلن عنه في قمة مجموعة العشرين 2023، ويهدف لربط الهند بالخليج وأوروبا عبر شبكات لوجستية حديثة. ثم تأتي مبادرة الحزام والطريق الصينية التي عززت النفوذ الصيني في موانئ وطرق بحرية برية تمتد من آسيا إلى أفريقيا والشرق الأوسط، ومن أهم الممرات أيضا، قناة السويس المصرية التي تمر عبرها 12% من التجارة العالمية، ظلت لعقود شريانا رئيسيا للتجارة بين آسيا وأوروبا، لكنها تواجه تحديات تتعلق بالمنافسة من طرق برية وبحرية جديدة.هذه الممرات ليست مجرد مشاريع بنية تحتية، بل أدوات لإعادة توزيع النفوذ الاقتصادي والسياسي عالميا.فرصة نادرةالمنطقة العربية تجد نفسها بين قوتين عملاقتين، الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى. هذا الوضع يفرض على الدول العربية أن تلعب لعبة توازن دقيقة، بحيث تستفيد من الاستثمارات والتجارة مع الصين، دون أن تخسر القوى الغربية.هذا التوازن الدقيق يمنح العرب فرصة نادرة، الخليج مثلا أصبح أكبر مورد للنفط إلى الصين، وفي الوقت نفسه شريكا رئيسيا في مشروعات الطاقة الخضراء مع أوروبا وأمريكا. ومصر تحاول أن تعزز دورها كبوابة لأفريقيا والشرق الأوسط عبر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، مصر، التي تتحكم في قناة السويس، تبني شراكات مع أوروبا وأمريكا، وفي الوقت نفسه تحتضن استثمارات صينية ضخمة في المنطقة الاقتصادية المحيطة بالقناة.هذا الوضع يمنح العرب أوراق قوة، لكنه يتطلب دبلوماسية حذرة لتجنب التحول إلى ساحة صراع بين القوى الكبرى.تجربة الإمارات والسعوديةرغم الفرص، تواجه المنطقة العربية تحديات حقيقية في الاستفادة من هذه التحولات، في حين تمتلك الإمارات والسعودية موانئ ومطارات عالمية المستوى، تعاني دول أخرى من ضعف في شبكات النقل والخدمات اللوجستية، كما أن النزاعات في اليمن وليبيا والسودان، والتوترات في العراق ولبنان، كلها عوامل تهدد استقرار بيئة الاستثمار.للتعامل مع هذا المشهد المعقد، بدأت العديد من الدول العربية في تبني استراتيجيات تكيفية، مثل تنويع الاقتصاد، فهناك رؤية السعودية 2030 والإمارات 2071 التي تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي متنوع يتجاوز النفط، علاوة على الاستثمار في الموانئ والمناطق الحرة، مثل توسعة ميناء جبل علي، ومشروع ميناء الدقم العماني، والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس.واتجهت دول الخليج نحو إبرام اتفاقيات مع الهند والصين والاتحاد الأوروبي لتعزيز مكانتها كمركز تجاري، اضف لذلك الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وسلاسل التوريد الذكية لمواكبة التجارة الإلكترونية والتكنولوجيات الحديثة.3 سيناريوهاتيمكن تصور ثلاثة سيناريوهات مستقبلية محتملة لشكل التجارة العالمية ودور المنطقة العربية فيها، الأول، هو سيناريو الازدواجية، أي انقسام العالم إلى كتلتين الأولى أمريكية والثانية صينية)، وتضطر الدول العربية إلى المناورة بينهما لتحقيق أقصى استفادة.السيناريو الثاني وهو التعددية، وهو صعود قوى إقليمية يؤدي إلى نظام تجاري متعدد الأقطاب، وهنا يمكن للعرب أن يلعبوا دور "الموازن" بين الشرق والغرب.أما السيناريو الثالث وهو سيناريو الأزمات إذا استمرت النزاعات الجيوسياسية وتكررت الصدمات مثل جائحة كورونا أو حرب أوكرانيا، قد تتراجع التجارة العالمية ككل، مما يضغط على اقتصادات المنطقة.التحولات الجارية تمنح العرب فرصة للتحول من مجرد مورد للمواد الخام أو سوق للمنتجات، إلى لاعب استراتيجي يحدد مسارات التجارة نفسها. مصر تسعى لتعزيز قناة السويس كممر عالمي لا غنى عنه، والسعودية تستثمر في مشروع "نيوم" الذي يضم موانئ ذكية، والإمارات تعزز دورها كمركز مالي ولوجستي عالمي.إعادة هيكلة النظام التجاري العالمي ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل هي معركة على النفوذ والهيمنة، والشرق الأوسط والعالم العربي أمام فرصة تاريخية ليكون جزءا من الحل، وأن يركبوا موجة التحولات الجيو-اقتصادية ويعيدوا رسم دورهم التاريخي. aXA6IDY1LjEwOS42MC4yMzIg جزيرة ام اند امز
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه