كشف باحثون من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا في زيورخ بسويسرا، أن تدريباً يعتمد على الألعاب الحركية التفاعلية يمكنه تحسين الذاكرة والقدرات الإدراكية لدى كبار السن الذين يعانون من ضعف إدراكي بسيط، وهو المرحلة المبكرة من الخرف.
وأظهرت الدراسة أن هذا النوع من التدريب لا ينعكس فقط على أداء الحياة اليومية، بل يحدث أيضاً تغيرات ملموسة في بنية الدماغ خلال 12 أسبوعاً فقط.
ومع ارتفاع متوسط العمر حول العالم يواجه المجتمع أزمة متنامية؛ فقرابة شخص واحد من كل 10 فوق الـ70 يعاني من الخرف، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم 3 مرات بحلول عام 2050.
ولا يسلب المرض المصاب ذاكرته فقط، بل يضعف قدرته على ممارسة حياته اليومية، وفي مراحله المتقدمة يفرض الحاجة إلى رعاية شاملة.
خلال السنوات الأخيرة ظهرت أدوية جديدة يمكنها إبطاء تطور مرض ألزهايمر – وهو أكثر أشكال الخرف شيوعاً – لكنها ما زالت محدودة الفعالية ومتاحة لعدد قليل من المرضى.
كما برزت تقنية "الألعاب الحركية التدريبية" كخيار واعد وهي مزيج من نشاط بدني وتمارين ذهنية دون آثار جانبية تذكر.
الخرف
عام 2021: 57 مليون شخص يعيشون مع الخرف، أكثر من 60% منهم في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
كل عام يُسجَّل نحو 10 ملايين حالة جديدة.
مرض ألزهايمر هو الأكثر شيوعاً بين أنواع الخرف ويساهم في 60-70% من الحالات.
الخرف هو السبب السابع للوفاة عالمياً وأحد أهم أسباب الإعاقة والاعتماد على الآخرين بين كبار السن.
في 2019: بلغت تكلفة الخرف عالمياً 1.3 تريليون دولار أميركي، نصفها تقريباً يذهب إلى رعاية يقدمها مقدمو رعاية غير رسميين (أفراد الأسرة، الأصدقاء)، بمعدل 5 ساعات يومياً.
النساء أكثر تأثراً بالخرف: من حيث معدلات الوفاة والعجز، كما أنهن يغطين 70% من ساعات الرعاية المقدمة للمصابين.
والألعاب الحركية التدريبية هي جيل جديد من الألعاب التفاعلية يجمع بين النشاط البدني والتمارين الذهنية؛ في ذلك النوع من الألعاب لا يجلس اللاعب ممسكاً بذراع تحكم تقليدية، بل يتحرك بجسده ليؤدي مهام محددة، مثل المشي أو القفز أو اتخاذ خطوات في اتجاهات مختلفة استجابة لمؤشرات تظهر على الشاشة.
ولا تهدف هذه الألعاب إلى الترفيه فقط، بل صممت لتقوية القدرات الإدراكية؛ كالذاكرة والانتباه والمهارات البصرية-المكانية – وفي الوقت نفسه تحسين اللياقة البدنية.
في عام 2021، أظهرت دراسة بمشاركة باحثين من المعهد الفيدرالي للتكنولوجيا أن هذا النوع من الألعاب يحسن القدرات الذهنية والجسدية وجودة حياة مرضى الخرف المتقدم.
والآن، تكشف دراستان جديدتان من نفس المؤسسة أن التدريب نفسه مفيد أيضاً لكبار السن الذين يعانون من ضعف إدراكي بسيط، وهو مرحلة مبكرة قد تتطور لاحقاً إلى خرف.
ويقول المؤلف الرئيسي للدراسة باتريك مانسر، إن الأمر لم يقتصر على تحسن الأداء المعرفي للمشاركين "بل رصدنا أيضاً تغيرات واضحة في بنية الدماغ لديهم."
شارك في التجربتين نحو 40 شخصاً بمتوسط عمر 73 عاماً، تدربوا في منازلهم 5 مرات أسبوعياً، كل مرة لنحو 25 دقيقة، على مدار 12 أسبوعاً على نظام يتكون من شاشة لعرض التمارين ولوحة أرضية بـ4 مربعات تقيس خطوات القدم.
على سبيل المثال، كان المطلوب من المشارك حفظ قائمة تسوق، ثم تحديد – عبر التقدم بخطوة يميناً أو يساراً – ما إذا كان المنتج الظاهر على الشاشة موجوداً في القائمة أم لا؛ وتستهدف هذه الأنشطة قدرات معرفية أساسية مثل الانتباه والذاكرة والمهارات البصرية-المكانية، وهي بالضبط ما يبدأ في التدهور مع بداية الخرف.
بعد انتهاء التمرين، طلب من المشاركين ممارسة تنفس بطيء ومنتظم لتحفيز العصب الحائر وتنشيط مناطق دماغية مهمة للوظائف المعرفية، ما عزز من فعالية التدريب.
وكانت النتائج لافتة؛ إذ تحسنت ذاكرة المشاركين بشكل ملموس، وانعكس ذلك في حياتهم اليومية – أثناء التسوق، أو في إدارة محادثة، أو التعامل مع ضغوط بسيطة كما أفاد كثير منهم بأنهم أصبحوا أكثر لياقة وصفاء وثقة بالنفس.
أما المجموعة الضابطة التي لم تخضع للتدريب واكتفت بالعلاجات المعتادة، فقد شهدت تراجعاً في قدراتها، بما يتماشى مع المسار الطبيعي للمرض.
وقال الباحث المشارك في الدراسة إيلينغ دي بروين، إنه يأمل أن يساعد التدريب بالألعاب الحركية في إبطاء أعراض الخرف أو الحد منها لدى من تظهر عليهم العلامات الأولى للمرض.
وجاءت المفاجأة الأكبر من الدراسة الثانية، إذ رصد الباحثون تغيرات هيكلية في الدماغ بعد أن أشهرت صور الرنين المغناطيسي زيادة في حجم الحُصين– المنطقة المسؤولة عن الذاكرة – وكذلك المهاد كما لوحظت تحسينات في القشرة الحزامية الأمامية والفص الجبهي.
في المقابل، شهدت أدمغة المجموعة الضابطة تراجعاً في هذه المناطق. ويقول دي بروين، إن انكماش الحصين يعد سمة مبكرة للخرف "لذلك رصد نموه بعد 12 أسبوعاً فقط يعد دليلا مذهلاً على مرونة الدماغ حتى لدى كبار السن".
ويقول الباحثون إن هذه التغيرات البنيوية ارتبطت بتحسن ملحوظ في الأداء المعرفي والذاكرة، ما يشير إلى أن التدريب قد يكون له تأثير مباشر في تعديل مسار المرض نفسه؛ إلا أنهم يؤكدون في الوقت ذاته أن إثبات قدرة التدريب الشخصي بالألعاب على تأخير أو منع تطور الخرف يحتاج إلى دراسات أطول زمنا.
وبالفعل هناك خطط لإجراء مشروعات جديدة يتدرب فيها المشاركون لفترات تتجاوز الثلاثة أشهر؛ وبينما لا يزال الدواء محدوداً والمرض يهدد الملايين، يفتح هذا البحث نافذة أمل بأن الحركة واللعب قد يكونان أكثر من مجرد تسلية، بل علاجاً فعّالاً يحافظ على الذاكرة والهوية الإنسانية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه