Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...
3 ساعات

قضية الصحفيين المنشقين تتجاوز “رفع العتب”

الإثنين، 8 سبتمبر 2025
قضية الصحفيين المنشقين تتجاوز “رفع العتب”

علي عيد

لا أعلم حقيقة الرقم الذي يتحدث عن 168 صحفيًا أو موظفًا في وزارة الإعلام جرى فصلهم خلال فترة النظام السوري السابق، وعدد الصحفيين الذي انشقوا بين هؤلاء، لكن الجدل الحاصل حول إعادتهم، والإجراءات التي تتخذها الوزارة، لا تشير إلى رغبة حقيقية في الاستفادة منهم، أو حتى إعادة الاعتبار القانوني أو الأخلاقي لهم، بالقدر الذي تريد أن تقول فيه إنها دعتهم وكفى.

قد لا تشكل وظيفة في مؤسسة إعلامية رسمية طموحًا لكثير من الصحفيين في سوريا اليوم، لاعتبارات مختلفة منها مادية، لكن من أبدى موقفًا صارمًا في رفض جرائم النظام، والتحق بصفوف الثورة، لا يجب معاملته بهذا الجفاء والتناكف المهين، وربما يعتبر عودته نوعًا من التعويض الأخلاقي، أو استعادة التوازن والإحساس بجدوى ما كان يفعله طوال سنوات الثورة.

في وقت كان السوريون فيه أحوج إلى صوت يوصل رسالتهم الأخلاقية بعد 2011، كان الصحفيون المنشقون يقومون بدور مهم متنقلين بين المنظمات الدولية والمؤتمرات والجامعات، ينقلون صوت ملايين المقهورين، ويعرضون حقائق لا تتعلق فقط بصور المظاهرات أو عمليات القتل والاعتقال، بل بإدخال النظر في تلك الانتهاكات ضمن جداول أعمال الحكومات الغربية، وعلى صفحات وشاشات أهم وسائل الإعلام العالمية.

شكّل الصحفيون المنشقون بذرة مؤسسات الإعلام المعارض، دربوا مئات الزملاء الوافدين إلى المهنة، واكتسبوا مزيدًا من الخبرة خلال احتكاكهم ضمن أهم وسائل الإعلام في العالم، وهذه ثروة لا تعوض.

وعلى الرغم من أنهم اضطروا للتكيف مع بيئات مختلفة، بعد نفيهم لسنوات، فإن إصرار أغلبيتهم على العودة، وهناك من عاد منهم أساسًا، تشبه إصرار “أسماك السلمون” على قطع مسافات طويلة تصل إلى 1400 كيلومتر أحيانًا، للعودة إلى المكان الذي ولدت فيه عبر الأنهار، في رحلات قاتلة تنتهي بوصولها، ثم تضع البيض وتموت في أوطانها.

وزارة الإعلام، في 30 من آب الماضي، وبخجل، أعطت الصحفيين الذين فُصلوا من عملهم في الوزارة ومؤسساتها بسبب مواقفهم المرتبطة بالثورة السورية، مهلة أسبوع، بين 3 و11 من أيلول الحالي، للمراجعة وإحضار الثبوتيات، ما أثار اعتراض عدد منهم على المدة والطريقة.

قرار “رفع العتب”، ورد المسؤول في الوزارة، الذي وصفه بعضهم بـ”المتعالي”، يشير إلى عدم تقدير وعدم الانتباه إلى أن الصحفي المحترف هو أفضل من يقول، ويمكن لـ168 صحفيًا بدل أن يكونوا قوة ناعمة مستثمرين خبرتهم وعلاقتهم، أن يتحولوا إلى قوة إعلامية ومؤذية عند تجاهلهم.

برأيي، وقد قلته أمام زملاء “منشقين” تواصلوا معي للنقاش في إجراءات الوزارة، أن الضرر الأخلاقي في هذا النمط من التعامل أكبر بكثير من الضرر المادي.

وما يجري في سوريا بحق هؤلاء، يعاكس كل ما حصل في تاريخ الثورات وتقدير دور الصحفيين وأهمية رد اعتبارهم.

في جنوب إفريقيا (بعد سقوط نظام الفصل العنصري 1994)، أعادت لجنة الحقيقة والمصالحة الموظفين المفصولين بسبب نشاطهم ضد “الأبارتهايد”، مع الحق بالعودة إلى أعمالهم إن أمكن، والحصول على تعويض مالي أو “معاشات تقاعدية” لمن بلغوا سن التقاعد، ومعنوي مع الاعتراف والاعتذار لهم، جرى نفس الأمر في تشيلي (بعد سقوط بينوشيه 1990) وألمانيا الشرقية سابقًا (بعد الوحدة الألمانية 1990).

ومن الأمثلة على الصحفيين الذين تم رد اعتبارهم، وعادوا كما يليق بهم، بل كانوا أساسًا في نهضة الإعلام ببلادهم بعد عودتهم، الصحفيتان التشيليتان ألجينادرا ماتوس (Alejandra Matus) ومونكيا موجيكا (Mónica González Mujica)، والصحفي الجنوب إفريقي جون ماتيسون (John Matisonn) الذي أسهم لاحقًا في تأسيس هيئة تنظيم الإعلام المستقلة (IBA) في بلاده، والصحفية الناميبية جوين ليستر (Gwen Lister)، والهندورساية ويندلي غويرا (Wendy Guerra)، وكاب هايتين في هاييتي.

يستغرق بناء شخصية الصحفي سنوات طويلة، لينتقل بعدها إلى دور المؤثر في الحياة السياسية والاجتماعية، والإسهام في نهضة بلاده، ويستحق أصحاب الموقف منهم دعوة كريمة تليق بهم، لا أن يصبح موضوع إعادة اعتبارهم مادة نقاش سطحي، وهم يتفرجون على مؤتمرات ومنتديات يدعى لها مؤثرون اشتهر بعضهم بالبصقة أو العبارات الشاذة التي تثير الغرائز، وهنا لا أعمم في قيمة المؤثر حسب محتواه، لأن جمهور التفاهة مثلًا هو الأكبر، ويمكن ملاحظة ذلك من عدد متابعي مؤثري المحتوى الجنسي الهابط.

Loading ads...

هناك اختلاف كبير بين عقل الدولة الراسخة والدولة التي تبني خططها على مبدأ “نسمّي على الحاضر”، فالطريق طويل، والحق عتيق.. وللحديث بقية.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه