مرسوم الإعفاءات الضريبية في سوريا.. هل يكفي تسوية ديون الماضي لإنقاذ الصناعة؟

في محاولة جديدة لضخ دماء في شرايين القطاع الصناعي السوري الذي أنهكته سنوات الأزمة والتحديات الاقتصادية المتراكمة، أصدر الرئيس السوري، أحمد الشرع، يوم الخميس الماضي، مرسومًا ضريبيًا غير مسبوق، وُصف بأنه خطوة محورية نحو إعادة ترتيب العلاقة بين المكلّفين والدولة.
ويأتي هذا المرسوم ليمنح المنتجين فرصة واسعة لتسوية الذمم والغرامات المتراكمة عليهم منذ سنوات، في محاولة لتخفيف الأعباء المالية الضاغطة التي تهدد استمرارية المنشآت.
ترحيب حذر من الصناعيين
استقبلت الأوساط الصناعية القرار بوصفه بادرة إيجابية قد تشكل نقطة تحول في مسار القطاع، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المعقدة التي يمر بها الاقتصاد الوطني.
ونص المرسوم على إعفاء شامل وكامل للمكلّفين من جميع الفوائد والجزاءات والغرامات المترتبة على المستحقات الضريبية العائدة للأعوام 2024 وما قبل، شريطة أن يتم سداد كامل هذه المستحقات قبل نهاية شهر آذار/ مارس من العام 2026.
كما تضمن المرسوم حوافز أخرى تتمثل في إعفاء جزئي بنسبة خمسين بالمئة من الغرامات للمكلّفين الذين يقومون بالسداد خلال الفترة اللاحقة الممتدة بين شهري نيسان/ أبريل وحزيران/ يونيو من العام نفسه، إضافة إلى منح إعفاءات جزئية للمكلّفين الذين سدّدوا جزءًا من تلك الضرائب في مراحل سابقة.
العلاج المؤقت لا يكفي
على الرغم من الترحيب المبدئي الذي حظي به المرسوم، إلا أن خبراء الاقتصاد يرون أن العلاج يكمن في معالجة الأسباب البنيوية العميقة للأزمة وليس في إطفاء ديون الماضي فقط.
وتعليقًا على القرار، أكد الخبير الاقتصادي، جورج خزام، أن السياسات المالية المتبعة حاليًا في البلاد تسهم في تعميق الأزمة الإنتاجية الراهنة بدلًا من العمل على احتوائها والحد من تداعياتها.
وحذّر خزام خلال منشور له على “فيسبوك”، من أن وزارة المالية تلجأ إلى خيار سهل ومكلف يتمثل في زيادة الرسوم والضرائب المفروضة على المصانع والورشات القائمة حاليًا، وذلك في محاولة يائسة لتعويض التراجع الحاد والواضح في التحصيل الضريبي، دون أن تُعالج الأسباب الجذرية التي أدت إلى هذا التراجع الملحوظ.
الإغراق والتهريب في صلب الأزمة
أوضح الخبير الاقتصادي أن الانخفاض في الإيرادات الضريبية يعود في الأساس إلى التقلص الهائل في عدد المنشآت الصناعية والحرفية التي لا تزال عاملة، وهي ظاهرة ناجمة عن الإغراق الواسع للأسواق بالمنتجات المستوردة التي تعتبر بديلًا رخيصًا للمنتج الوطني، والتي تدخل البلاد بجمارك منخفضة للغاية.
وأشار إلى أنه يضاف إلى ذلك الانتشار الكبير لظواهر التهريب والتهرب الجمركي، ما أضعف قدرة المنتج المحلي على المنافسة في السوق وأجبر أعدادًا متزايدة من المصانع والورشات على الخروج من دائرة الإنتاج والإغلاق.
وأكد أن الأخطر في هذه المقاربة المالية يتمثل في لجوء الجهات المعنية، في بعض الحالات، إلى إعادة تقييم الضرائب لسنوات سابقة كان قد جرى تسديدها وتصفيتها قانونيًا بشكل نهائي، على الرغم من حصول المكلّفين على براءات ذمة رسمية وموثقة من وزارة المالية، واصفًا هذه الممارسات بأنها تفتقر إلى السند القانوني السليم وتُقوّض بشكل مباشر جسور الثقة القليلة المتبقية بين الدولة والقطاع الإنتاجي.
بدائل غائبة عن السياسات
بيّن الخبير الاقتصادي أن هذه السياسات تؤدي إلى الدخول في حلقة مفرغة ومدمرة، حيث تؤدي زيادة الأعباء الضريبية إلى تسريع وتيرة الإغلاق الجماعي لما تبقى من منشآت صناعية وحرفية، الأمر الذي يفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الاعتماد على الاستيراد لتلبية احتياجات السوق، ثم يفرض لاحقًا رفعًا جديدًا للرسوم والضرائب على عدد أقل بكثير من المكلّفين، مما يفاقم الاختلالات المالية والاقتصادية في البلاد.
وأكد أن المنطق الاقتصادي السليم كان يقتضي توجيه دفة السياسات المالية نحو رفع الرسوم الجمركية على المستوردات التي تنافس المنتج الوطني، باعتبار أن هذه المستوردات تمثل السبب المباشر والرئيسي في إغلاق المصانع وتراجع التحصيل الضريبي منها، بدلًا من تحميل المنشآت المنتجة المتبقية أعباء مالية إضافية تهدد وجودها واستمراريتها في ظل هذه الظروف الصعبة.
واختتم خزام حديثه بالتشديد على أن الحماية الفعالة للإنتاج المحلي، والتشديد الصارم للرقابة على عمليات التهريب والتهرب الجمركي، تمثل المدخل الحقيقي والأصيل لاستعادة التوازن المالي والاقتصادي المنشود، وتعزيز الإيرادات العامة للدولة بشكل مستدام، دون التضحية بالقاعدة الإنتاجية الأساسية التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه





