32 خبر
الدقيقة 91
العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا
إسرائيل تحتل غزة
فيديوهات
تاريخ النشر:
18.09.2025 | 07:55 GMT
حرب الاستنزاف تجتاح العالم أجمع
يبدو الأمر وكأن أحداثا ما تجري في هذا العالم، فنقرأ الأنباء، يجتمع الزعماء، يدلون بتصريحات، لكن شيئا لا يتغير. ذات المشهد الذي كنا نراه قبل نصف عام.
منذ الربيع، وبعد أن اتضح أن ترامب لن يجرؤ على مغادرة أوكرانيا، وبالتالي سيعجز عن تنفيذ برنامجه الثوري المزعوم، أصبحت جميع الأخبار الواردة من الولايات المتحدة الأمريكية، وحول العالم، أشبه بعاصفة هادئة بقاع ملعقة لا زوبعة في فنجان. العالم في حالة شبه متجمدة.
إقرأ المزيد
هل قمة "شنغهاي" نصر لموسكو وبكين؟ نعم.. لكنها ربما جرس إنذار في قاعدة عسكرية
يختبئ معارضو ترامب داخل الولايات المتحدة وخارجها في انتظار نهاية ولايته أو استنفاد احتياطي القوة الذي بناه أمل الأمريكيين في التغيير.
بل إن ترامب نفسه يواصل أداءه كمذيع تلفزيوني، يحدث جلبة كبيرة ويوهم الناس بأنه يتحرك. يواصل الظهور على شاشات التلفزيون، حيث تحل الدعاية الافتراضية محل العمل الحقيقي. وبدلا من الحرب الحقيقية، يغير اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، في مشهد يفسر عهده بأكمله. هو عاجز عن أي شيء، لرغبته، كمذيع تلفزيوني، في الحصول على أكبر قدر من التقدير والتصفيق (بما في ذلك الحصول على جائزة نوبل للسلام). فالتغيير الحقيقي يلزمه بالبدء في إجراءات غير شعبية، وفي مقدمتها الاستيلاء الكامل على السلطة وقمع أي مقاومة (قمعا دمويا على الأرجح)، وبدون ذلك لن يتمكن من عكس مسار تطور/تدهور الولايات المتحدة. ترامب يسير في الاتجاه الخاطئ.
تجد الحرب التجارية التي بدأها تتعثر، حيث يعجز عن إجبار أوروبا على الانضمام إلى حصار الصين. وبعد فرضه رسوما جمركية، فإنه يجمدها فورا أو يضيف لها استثناءات كثيرة لتصبح آثارها ضئيلة. ستكون للرسوم الجمركية بالطبع عواقب سلبية بطبيعتها، إلا أنها تدريجية، وليس هذا سوى عامل واحد يستنزف النظام الاقتصادي العالمي.
في الوقت نفسه، يستغل ترامب حلفاءه: اليابان وكوريا الجنوبية وأوروبا والدول العربية الغنية، باستنزاف مواردهم الداخلية وإمكاناتهم لتحقيق الاستقرار الداخلي. ولأن هذه الدول المتحالفة كانت تحظى بمكانة مميزة في النظام القديم، ولم يعد لها نفس المكان في النظام الجديد، فمن المرجح أن يستمر هذا الاستغلال الأمريكي حتى استنزاف الحلفاء بالكامل وانهيارهم.
بالتزامن، تستمر حرب الاستنزاف البطيئة في أوكرانيا، ومن غير المرجح أن نشهد أي تسارع قبل حلول الشتاء. تطحن روسيا الجيش الأوكراني تدريجيا، بينما تزداد كراهية المجتمع الأوكراني لزيلينسكي، ويتدهور الوضع الداخلي في أوكرانيا بالتدريج، إلا أن الوضع قد يستمر طويلا نظرا للمساعدات الغربية المتواصلة لأوكرانيا، التي تدفع في المقابل بموردها الرئيسي: الجنود، ولم تستنفد أوكرانيا هذا المورد بعد. في الوقت نفسه، يصعد الجانبان هجماتهما على البنية التحتية الاقتصادية، والأهم من ذلك، البنية التحتية للطاقة، ويبدو أن الشتاء هذه المرة قد يكون حاسما في استنفاد هذا المورد تماما، خاصة بالنسبة لأوكرانيا.
إقرأ المزيد
هل انتقلت الهند من المعسكر الغربي إلى التحالف مع الصين وروسيا؟
في أوروبا، تدور رحى حرب استنزاف بطيء تستنزف موارد العولميين اليساريين الذين يسيطرون على السلطة. تكتسب الأحزاب اليمينية شعبية تدريجيا، إلا أن النخب الحاكمة، بإلغائها الانتخابات والحظر والتلاعب وغيرها من الأساليب غير الديمقراطية، تؤجل انهيارها مؤقتا.
يضاف إلى ذلك الإرهاق الاقتصادي المتزايد الذي تعاني منه أوروبا نتيجة رفضها لموارد الطاقة الروسية، وقيام ترامب بتحميلها فاتورة تكاليف الحرب مع روسيا.
الشرق الأوسط يخوض حرب الاستنزاف الخاصة به، حيث تسعى إسرائيل إلى استنزاف قدرة الدول العربية والإسلامية في الوقوف مكتوفة الأيدي أمام مشاهد الإبادة الجماعية الفلسطينية ودون تداعيات داخلية. وتتعمد إسرائيل الدفع بتصعيد الكارثة الإنسانية إلى مستوى يجبر على الأقل أحد البلدان على قبول الفلسطينيين. ويبدو أن هذا سيستمر طويلا، بعدما اعتاد العالم على حصيلة القتلى الراهنة، ولم تحسم إسرائيل أمرها بعد في المضي لأبعد من ذلك.
إيران، تشبه البصلة، التي تقشر طبقات جلدها طبقة وراء طبقة، من حلفائها، وطموحاتها الإقليمية، وبرنامجها النووي، في محاولة للحفاظ على النظام الحالي في إطار حرب استنزاف خاصة بها مع الغرب وإسرائيل.
على صعيد منفصل، يتدهور الاقتصاد العالمي. فبعد أزمة عام 2008، خفض الغرب أسعار الفائدة لإنقاذ اقتصاداته، ما جعل فرص الحصول على قروض في متناول العالم أجمع، لا سيما الدول الفقيرة والنامية، التي كانت تضطر في السابق إلى الاقتراض بأسعار فائدة مرتفعة للغاية، وكثيرا ما كانت ترفض مثل هذه القروض الباهظة.
لقد أفلس الغرب في عام 2008، لكنه، ومنذ ذلك الحين، يمتص ويستنزف ما تبقى من استقرار مالي في بقية العالم. وإلى أن تبدأ سلسلة حالات الإفلاس في الدول النامية، سيظل الغرب يعتمد على ما تبقى من إمكاناته، منقذا نفسه والنظام المالي العالمي من الانهيار.
باختصار، تجتاح عمليات الاستنزاف كل مكان، فقد أنفق بايدن نصف الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي من النفط لخفض أسعار البنزين، واستنفدت اليابان احتياطيها الاستراتيجي من الأرز بالكامل لخفض الأسعار، وثمة شغب في نيبال، وحرب بين الهند وباكستان، وأشياء أخرى حول العالم.
لكن كل ذلك يظل أحداثا منخفضة المستوى، بينما يتم إخماد مظاهر الأزمة المحلية باستنفاد موارد الاستدامة للنظام على مستوى أعلى، ما يشبه قيام الاحتياطي الفيدرالي بشراء قروض عقارية عالية المخاطر من البنوك التي لم تسدد. نجت البنوك الأمريكية، لكن المخاطر انتقلت إلى مستوى أعلى، وأصبح الدولار والنظام المالي برمته الآن في خطر.
إقرأ المزيد
ما الذي يريده ترامب؟ جائزة أوسكار أم نوبل أم إنقاذ الولايات المتحدة؟
ويبدو أن النظام سوف ينهار فجأة وبشكل كامل، وحتى ذلك الحين، سيحاول الجميع، العالم أجمع، عدم القيام بأي تحركات وإجراءات غير ضرورية، حتى لا يتسبب في انهيار جليدي يطال الجميع.
ربما يكون هذا هو السبب في أن جميع الأخبار السياسية حول العالم في الأشهر الأخيرة تشبه المثل العربي "أسمع جعجعة ولا أرى طحنا"، كما الشاشة التلفزيونية عند انقطاع الإشارة. يمكننا، على سبيل المثال، اختلاق تعليق على زيارة ترامب إلى لندن يوم أمس. ولكن، ما الفائدة؟ لن تسفر هذه الزيارة عن أي نتائج على أي حال.
أتعاطف بصدق مع الصحفيين الذين يجبرون، بحكم مهنتهم، على كتابة أخبار من عينة "سيكون الأسبوع المقبل حاسما!"... أعتقد أن هذا الجمود سيستمر لعدة أشهر أخرى على الأقل، وربما لعام واحد. وبالنظر إلى دور الولايات المتحدة في العالم، فإن الجمود سيستمر على الأرجح حتى انتخابات التجديد النصفي الأمريكية، إذا خسرها الجمهوريون، أو إذا انهارت أوكرانيا، أيهما أقرب.
وحتى ذلك الحين، أتمنى لكم أحلاما سعيدة.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة "تلغرام" الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه