كشفتها "طاولة ميامي".. هدنة غزة بين التقدم وخطر الانهيار

المرحلة الثانية من الاتفاق تواجه صعوبات كثيرة كونها تتعلق بالتزامات إسرائيلية بعكس المرحلة الأولى
تبدو غزة اليوم عند مفترق سياسي وأمني دقيق، حيث تحول اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في أكتوبر الماضي بشرم الشيخ، إلى مسار متعدد الأبعاد تتداخل فيه الحسابات الإنسانية مع ترتيبات الحكم والأمن وإعادة الإعمار.
المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار التي وُصفت أمريكياً بأنها حققت "تقدماً ملموساً"، فتحت الباب أمام نقاش أعمق حول ما هو قادم، في وقت يزداد فيه القلق من أن أي تعثر أو خرق قد يعيد الأوضاع إلى نقطة الصفر.
في هذا الإطار، برز اجتماع ميامي (الجمعة 19 ديسمبر) بوصفه أعلى منصة تنسيق بين الوسطاء منذ توقيع الاتفاق، إذ حمل ملامح المرحلة الثانية وشروط الانتقال إليها، لكنه في المقابل عكس حجم التعقيدات السياسية والأمنية التي لا تزال تكتنف هذا الملف شديد الحساسية.
وشارك في اجتماع ميامي ممثلون عن قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية، حيث خُصص لمراجعة آليات تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وبحث الترتيبات والاستعدادات اللازمة للانتقال إلى المرحلة الثانية.
حكم موحد وأمن منضبط
عقب اجتماع ميامي، أكد المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، في منشور على منصة "إكس"، السبت (20 ديسمبر)، أن المرحلة الأولى من الاتفاق أحرزت "تقدماً ملموساً".
وأوضح ويتكوف أن هذا التقدم تجسّد في توسيع نطاق المساعدات الإنسانية، واستعادة جثث رهائن، إلى جانب انسحاب جزئي للقوات وخفض مستوى الأعمال العدائية.
وفي ما يتصل بالانتقال إلى المرحلة الثانية، شدد ويتكوف على أن الأمر لا يقتصر على تثبيت الهدنة، بل يرتبط بحزمة من الشروط السياسية والأمنية، في مقدمتها تمكين هيئة حاكمة في غزة تعمل ضمن سلطة موحدة، قادرة على حماية المدنيين وضبط النظام العام.
We, the representatives of the United States of America, the Arab Republic of Egypt, the State of Qatar, and the Republic of Türkiye, met yesterday in Miami to review the implementation of the first phase of the Gaza ceasefire and to advance preparations for the second phase.…
— Special Envoy Steve Witkoff (@SEPeaceMissions) December 20, 2025
ويعكس هذا الطرح توجهاً أمريكياً نحو ربط أي مرحلة لاحقة بإدارة انتقالية واضحة المعالم، مع تفعيل ما يُعرف بـ "مجلس السلام" لإدارة الملفات المدنية والأمنية وملف إعادة الإعمار، في مسعى لملء الفراغ السياسي دون الانزلاق إلى ترتيبات قسرية أو مفروضة.
وإلى جانب ذلك، أشار ويتكوف إلى بحث ملف التكامل الإقليمي باعتباره أحد الركائز الأساسية للمرحلة الثانية، عبر تيسير حركة التجارة، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والمياه، بوصفها مدخلاً ضرورياً لتعافي غزة وترسيخ استقرارها على المدى المتوسط.
لكن على الرغم من الحديث عن تحقيق تقدم، يظل بطء التنفيذ أحد أبرز التحديات التي تواجه الاتفاق، وهو ما عكسته تقارير أمريكية أشارت إلى قلق متزايد داخل واشنطن من ميل بعض الأطراف إلى الإبقاء على الوضع القائم، من دون الانتقال الفعلي إلى المرحلة التالية.
كما يعكس هذا القلق إدراكاً متنامياً بأن أي تأخير إضافي قد يقوّض الثقة بالاتفاق، ويفتح الباب أمام ضغوط داخلية وإقليمية من شأنها تعطيل مساره، ولا سيما في ظل غياب جدول زمني واضح لبعض الترتيبات الحساسة.
وفي هذا السياق، تبرز مسألتا التنسيق الميداني وآليات المراقبة كعاملين حاسمين لنجاح المرحلة المقبلة، إذ شدد ويتكوف على أهمية الترتيب والمتابعة بالشراكة مع المؤسسات المحلية في غزة، بما يضمن الالتزام العملي ببنود الاتفاق على الأرض.
في مقابل الخطاب الأمريكي المتفائل نسبياً، اتسم الموقف التركي بقدر أكبر من الحذر، إذ حذر وزير الخارجية هاكان فيدان صراحة من أن الانتهاكات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار تمثل خطراً مباشراً على مجمل خطة السلام.
وأوضح فيدان، في حديث للصحفيين يوم الأحد (21 ديسمبر)، أنه شارك في مباحثات ميامي، مؤكداً أن هذه الخروقات لا تقتصر على تقويض الثقة فحسب، بل تجعل الانتقال إلى المرحلة الثانية "أكثر صعوبة بشكل لا يصدق"، محذراً من أن استمرارها قد يفرغ الاتفاق من مضمونه العملي.
كما أشار فيدان إلى وجود توافق بين الوسطاء الأربعة – قطر ومصر وتركيا والولايات المتحدة – على خطورة هذه الانتهاكات، لافتاً إلى أن نقاشات جرت بالفعل حول آليات الحد منها، في مسعى لإنقاذ المسار قبل أن يتآكل من الداخل.
وفي هذا السياق، برزت مسألة مستقبل إدارة غزة بوصفها إحدى أكثر القضايا حساسية في النقاشات، حيث طُرحت فكرة نقل الإدارة إلى لجنة تكنوقراط، إلى جانب تفعيل "مجلس السلام"، كحل انتقالي يهدف إلى تفادي الفراغ السياسي والفوضى الأمنية.
غير أن تركيا وضعت، بحسب فيدان، ثلاثة خطوط حمراء واضحة هي:
أن يحكم غزة أهلها.
ألا تقسم أراضيها.
أن تصب أي ترتيبات أو استثمارات في مصلحة سكانها حصراً.
كما تعكس هذه المحددات مخاوف إقليمية أوسع من إعادة إنتاج نماذج إدارة مفروضة من الخارج، بما قد يهدد الاستقرار على المدى الطويل.
ويرتبط هذا الملف ارتباطاً مباشراً بملف إعادة الإعمار، إذ يُتوقع ضخ استثمارات كبيرة في المرحلة المقبلة، غير أن ربطها بالمسار السياسي والأمني يجعلها رهينة نجاح المرحلة الثانية من الاتفاق.
سيناريوهات محتملة
في ضوء المعطيات الحالية تبرز ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل غزة خلال الأسابيع المقبلة:
نجاح الوسطاء في ضبط الخروقات وتثبيت ترتيبات انتقالية تمهّد للمرحلة الثانية.
استمرار الهدنة دون تقدم فعلي، بما يحول الاتفاق إلى إطار هش قابل للانفجار في أي لحظة.
تصاعد الانتهاكات وانهيار الثقة، ما قد يؤدي إلى تعثر المسار بالكامل.
وبين هذه السيناريوهات، تبقى غزة معلقة بين أمل التقدم ومخاطر التراجع، في انتظار ما إذا كانت الهدنة ستتحول إلى سلام مرحلي، أم مجرد استراحة قصيرة في صراع طويل.
وفي هذا السياق، يرى الباحث والكاتب السياسي ياسر عبد العزيز، إن اجتماعات ميامي كانت "صعبة" بطبيعة الحال، بسبب الانتهاكات الإسرائيلية خلال الأسابيع الأخيرة.
كما أشار عبدالعزيز، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن الانتهاكات الكثيرة التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال الفترة الماضية بحجج واهية، تتعلق بالخط الأصفر إلى جانب الاغتيالات وغيرها مضيفاً:
- الوضع الميداني وحجم الدمار الكبير الذي تعرضت له غزة، تسبب بعرقلة الانتقال للمرحلة الثانية، وكان له تأثير على مفاوضات ميامي أيضاً.
- نتنياهو كان يحاول بكل ما أوتي من قوة تعطيل المرحلة الأولى، وعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية، وبالتالي إفشال المفاوضات برمتها.
- الحالة الآن تدفع للتخوف، وتضع على الضامنين مسؤولية ممارسة المزيد من الضغوط على واشنطن وتل أبيب، لوقف الانتهاكات والانتقال للمرحلة الثانية من الاتفاق.
- كان هناك تعويل على تحول في الموقف الداخلي في "إسرائيل"، من خلال إجراء انتخابات مبكرة تؤدي إلى تغيير الحالة السياسية للأحزاب الائتلافية الحاكمة.
- تشير المعطيات إلى بقاء بنيامين نتنياهو في الحكم، مع استبعاد أي انتخابات مبكرة قبل نحو أربعة أشهر على الأقل، ما يصعّب المضي سريعاً نحو تنفيذ المرحلة الثانية.
- المرحلة الأولى من الاتفاق كانت الأسهل نسبياً، إذ تركزت التزاماتها على "حماس" وفصائل المقاومة، لكن تعد المرحلة الثانية الأكثر تعقيداً سياسياً وأمنياً.
- تعقيدات المرحلة المقبلة تتمثل في تحديين رئيسيين، التوافق الفلسطيني الداخلي، والحصول على قبول دولي للترتيبات المقترحة داخل غزة.
- طرح ترامب سابقاً فكرة مجلس لإدارة غزة برئاسته، وضم أسماء مثيرة للجدل مثل توني بلير، قبل أن يتراجع.
- إسقاط الإدارة المفروضة خارجياً يُعد مكسباً للعرب والمسلمين، ويُفسر في المقابل رفض نتنياهو لأي دور تركي في غزة.
- الانتقال إلى مقاربة فلسطينية لإدارة القطاع يمثل تطوراً سياسياً مهماً، لكنه يفتح باباً لتحديات جديدة.
- تسعى "حماس" إلى تجاوز هذه التحديات، عبر القبول بإدارة تكنوقراط تقود المرحلة الثانية.
- تواجه هذه المقاربة اعتراضات إسرائيلية وضغوطاً أمريكية قد تؤدي إلى تأخير إعادة الإعمار.
- لم يدخل إلى غزة سوى أقل من 30% من المساعدات المتفق عليها، ما يعكس استخدام الملف الإنساني كأداة ضغط.
- لا يزال التيار الحاكم في "إسرائيل" يطرح خيار إخلاء قطاع غزة من سكانه.
- في ظل هذه المعطيات، تبدو المرحلة الثانية شديدة الصعوبة ومفتوحة على سيناريوهات معقدة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً

رسائل من "براك" لإسرائيل وسوريا وإيران
منذ ثانية واحدة




