مولنبيك من العزلة للنفوذ الإخواني.. كيف تجذر التنظيم في قلب بروكسل؟

في قلب بروكسل، يقف حي مولنبيك شاهداً على تحول معقد يتجاوز أزقته الضيقة ليعكس جدلاً أوسع حول الإسلام السياسي في أوروبا.
فالحي المعروف بتنوعه السكاني وكثافته العالية، أصيب بداء عضال: البطالة، العزلة الاجتماعية، والتهميش الحضري، في ظروف شكّلت منه -وفقا لخبراء بيئة خصبة لتجذر تنظيم «الإخوان».ومنذ اعتقال منفذ هجمات باريس صلاح عبدالسلام في مارس/آذار 2016، ارتبط اسم حي مولنبيك في بروكسل في الإعلام والسياسة بكونه «معقلاً للإخوان المسلمين» ورمزاً لتغلغل الإسلام السياسي في أوروبا.
الحي تحت المجهر
ومنذ ذلك التاريخ، انقلبت الصورة رأساً على عقب: فأضحت أزقته تحت أنظار الإعلام العالمي، وانتشرت فيه الشرطة والحواجز الأمنية، وصار يُوصَف في الصحافة الغربية بـ«بؤرة الإرهاب في أوروبا»، بحسب شبكة «سي نيوز» الفرنسية.
إغلاق معهد تكوين الأئمة.. هل ينهي نفوذ الإخوان الناعم في فرنسا؟إخوان بريطانيا وتلويح «المواجهة».. هل تحظر لندن التنظيم؟رقابة أمنية على سكان الحي، زادت المخاوف من الوصم الجماعي، مما عمّق الانقسام بين صورة مولنبيك كحي «مجرم» في الخطاب السياسي والإعلامي، وحقيقة أنه يظل فضاءً يعيش فيه عشرات الآلاف من العائلات العادية التي لا علاقة لها بالتطرف.
تجذر الإخوان
بالتزامن، كان تنظيم الإخوان ينفث سمومه وينسج خيوطه في مولنبيك، عبر شبكة من الجمعيات الثقافية والمراكز الإسلامية التي يرى باحثون أنها شكلت، على مدى عقود، قنوات لخطاب الإخوان المسلمين؛ أبرزها: المساجد الكبيرة مثل المركز الإسلامي في بروكسل، الذي كان تاريخياً من بين المؤسسات القريبة من فكر جماعة الإخوان، والجمعيات التعليمية والثقافية التي تركز على تعليم اللغة العربية والدروس الدينية للشباب، والمراكز الاجتماعية التي تقدم أنشطة رياضية وثقافية، لكنها كثيراً ما تحولت إلى منصات للتجنيد غير المباشر عبر «الصحبة الدينية» والنقاشات الفكرية.
ووفقاً للشبكة الفرنسية فإن مولنبيك مساحة تتقاطع فيها المخاوف الأمنية مع الصراع السياسي، مشيرة إلى أنه لم يعد مجرد حي في بروكسل، بل تحول إلى رمز أوسع للنقاش حول الإسلام السياسي والإسلاموية الراديكالية في أوروبا، مما يجعلها مرآة للتحديات التي تواجهها بلجيكا – وربما القارة كلها – أمام تمدد الفكر المتشدد.
وفي تصريحات لـ«العين الإخبارية»، قال أوليفييه روا، أستاذ العلوم السياسية في معهد الجامعة الأوروبية (EUI) بفلورنسا، المتخصص في الإسلام السياسي والهجرة، إن «الإخوان المسلمين لم يظهروا في هذه الأحياء كحركة دينية فقط، بل كبديل اجتماعي».
وأوضح أن علاقة مولنبيك بالإخوان ليست وليدة العقدين الأخيرين فحسب، بل إن «جذورها تمتد إلى موجات الهجرة في السبعينيات والثمانينيات، حين أسس الإخوان عبر شبكات قريبة منهم مراكز تعليمية ومساجد، مستغلين العزلة الاجتماعية والتمييز الذي يعاني منه الحي لصالح مشروعهم الفكري».
و«منذ ذلك الوقت، أدرك الإخوان أن الأحياء المهمشة مثل مولنبيك يمكن أن تكون بيئة مناسبة لبسط نفوذهم. فاستفادوا من غياب الدولة وضعف الخدمات الاجتماعية، وقدموا أنفسهم كبديل عبر: الجمعيات، والمدارس غير الرسمية، والدروس الدينية»، يقول أستاذ العلوم السياسية، مضيفا: «هذه الدينامية جعلت الإخوان يتجذرون بعمق، ليس كحركة دعوية فحسب، بل كبنية اجتماعية متكاملة».
«نفوذ تكمن خطورته في الطابع غير المباشر، حيث لا يقدم الخطاب المتطرف بشكل فج، بل عبر خطاب تدريجي يركز أولاً على الهوية والانتماء، ثم ينتقل إلى فكرة الاستقلالية عن المجتمع الغربي»، بحسب أوليفييه روا.
وأضاف أن الدولة البلجيكية والبلديات لم توفر بنية قوية لاندماج المهاجرين، فـ«جاءت الجمعيات ذات الخلفية الإخوانية لتملأ هذا الفراغ، وقدمت نفسها كمؤسسات تعليمية وثقافية، لكنها عملياً عملت على تكوين فضاء هوياتي مغلق».
بيئة خصبةويرى روا أن الخطر ليس في الإخوان كتنظيم سياسي تقليدي، بل في قدرتهم على «تسييس الهوية الدينية» وسط الشباب المهمش.
من جهته، قال فرنسوا بورغا، الباحث في معهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي المتخصص في الحركات الإسلامية والتحولات السياسية في العالم العربي وأوروبا في تصريحات لـ«العين الإخبارية»، إنه «من الخطأ النظر إلى مولنبيك، هذا الحي فقط من زاوية الإرهاب، صحيح أن بعض الشبكات المرتبطة بالإخوان المسلمين استغلت هشاشة السكان هناك، لكن يجب أن نفهم أن هذه الهشاشة هي النتيجة المباشرة للتهميش، البطالة، والإقصاء الحضري»، مشيراً إلى أن «الإخوان يقدمون أنفسهم كبديل مجتمعي، ولهذا يجدون مكاناً بينهم».
بورغا أكد أن علاقة مولنبيك بالإخوان بدأت تدريجياً منذ الثمانينيات، حين أسست شبكات مرتبطة بالاتحاد الإسلامي في أوروبا (المحسوب على الإخوان) عدداً من المراكز، مشيرًا إلى أن «طريقة استغلال الوضع الاجتماعي للحي ترتكز تقوم على تقديم الإخوان أنفسهم كوسطاء بين الجالية والدولة، مما يمنحهم شرعية كبيرة وسط السكان».
فـ«من خلال المدارس والجمعيات، ينقلون خطابهم السياسي بهدوء عبر قنوات الهوية والدين»، يقول فرنسوا بورغا، مضيفا أن مولنبيك «أصبح مختبراً لنفوذ الإخوان لأنهم نجحوا في تحويل الاحتياجات اليومية للسكان، من التعليم مرورا بالأنشطة الرياضية، إلى أدوات للتجنيد».
وبحسب الباحث في معهد الدراسات، فإنهم (الإخوان) «لا يقدمون أنفسهم كحركة سياسية بالمعنى التقليدي، بل كحركة توفر الأمان والهوية في مواجهة التهميش. مما جعل كثيراً من الشباب ينجذبون إليهم، خصوصاً بعد موجة الإحباط الاقتصادي والتمييز في سوق العمل».
وأشار إلى أن اعتقال صلاح عبدالسلام كشف عن التداخل بين الشبكات المحلية والخطاب العالمي للإرهاب، حيث وفرت البنية الاجتماعية المتأثرة بالإخوان أرضية خصبة للجماعات الأكثر تشدداً مثل تنظيم داعش الإرهابي.
3 أدوات إخوانية
ووفقاً لما ذكره الكاتب السياسي الفرنسي المتخصص جيل كيبيل في كتابه Terreur dans l’Hexagone (2015) الذي وصف آليات التجنيد عبر الجمعيات والمساجد الموازية، فإن الإخوان في أوروبا يعتمدون على ثلاث أدوات رئيسية في مثل هذه الأحياء، وفقاً لما نشرته صحيفة «ويست فرانس» الفرنسية التي نشرت مقتطفات من الكتاب.
ومن بين هذه الآليات وفقاً لجيل كيبيل،
الخدمات البديلة: تقديم دروس مجانية، أنشطة للأطفال، دعم اجتماعي للعائلات الفقيرة
إعادة تعريف الهوية: تعزيز خطاب «نحن ضدهم» عبر التأكيد على الهوية الإسلامية مقابل «تهميش الدولة»، وشبكات التضامن
تحويل الجمعيات إلى فضاء مغلق يربط الشباب بعلاقات اجتماعية قوية تجعلهم أقل اندماجاً في المجتمع الأوسع. aXA6IDY1LjEwOS42MC4yMzIg جزيرة ام اند امز
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه