بعد استهدافها في الدوحة.. هل ضاقت الأرض بقيادة حماس؟
أوراق كثيرة بعثرها العدوان الإسرائيلي على الدوحة الذي استهدف وفد قيادة حركة حماس المفاوض. فالعدوان لم يكن فقط تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء السياسية والأخلاقية والإنسانية، وخرقًا للقانون الدولي، وانتهاكًا سافرًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، بل إنه يشكّل كذلك منعطفًا قد يكون مفصليًا في الوساطة التي تقودها الدوحة إلى جانب القاهرة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس.
فالاستهداف الإسرائيلي لقيادة الحركة أزاح مفهوم الوساطة، واستبدله بانتهاك سيادة البلد الوسيط، والاعتداء الغادر على الطرف الذي يفاوضه، علمًا أنّ رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني كان قد كرّر في أكثر من مناسبة أن وجود مكتب حركة حماس في قطر تمّ بطلب أميركي ورغبة إسرائيلية، وأن الهدف من وجود قيادة حماس في الدوحة الذي بدأ عام 2012 هو إيجاد قناة تواصل مع الإسرائيليين والأميركيين، وهو ما أثمر فعلًا نجاح عدد من الصفقات بين الجانبين أدّت إلى تهدئة والإفراج عن رهائن.
لكن اليوم، وبعد الاستهداف الإسرائيلي الذي أطاح بالمفاوضات، ولو مرحليًا، تُطرَح علامات استفهام حول استمرار وجود قادة حماس في قطر، خاصة أنهم باتوا مكشوفين أمنيًا على اعتبار أن إسرائيل تواصل التهديد بتكرار اعتداءاتها من دون أن يردعها أحد. وفي ظلّ هذا العُتوّ والصلف الإسرائيلي لا قيمة لتطمينات الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي "تمنّى" على إسرائيل عدم تكرار عدوانها على قطر.
هذا الواقع الجديد سيضع قيادة حركة حماس أمام معضلة جديدة تكمن في إيجاد بقعة جغرافية بديلة يمكنها الانتقال إليها. صحيح أنّ الدوحة لم تكن المكان الوحيد الذي تتحرك فيه قيادة الحركة، لكنها كانت أبرز هذه الأماكن، خاصة أن الحركة منذ أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، فقدت مساحات كانت تتحرك فيها.
لبنان.. الظروف تغيّرت
فلبنان الذي لطالما كان يرحّب بقادة حماس، تغيّرت ظروفه منذ العدوان الإسرائيلي عليه. والغطاء الأمني والحماية التي كان يوفرها حزب الله لقادة الحركة في مقره بالضاحية الجنوبية لبيروت لم تعد موجودة، بعدما باتت إسرائيل تستبيح سماء لبنان، وتستهدف كل يوم قادةً وكوادر من الحزب، وبعد انكشاف الاختراق الكبير الذي نجحت إسرائيل في تحقيقه ببنية حزب الله التنظيمية، والتي كان أبرز مؤشراتها اغتيال أمين عام الحزب حسن نصر الله، وعملية تفخيخ أجهزة "البيجر" واللاسلكي.
ولعلّ أولى بوادر رغبة إسرائيل بالتصعيد مع حزب الله تكشّفت باغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري بمكتبه بالضاحية الجنوبية في يناير/ كانون الثاني 2024، مما دفع حينها إلى انتقال معظم قياديي الحركة من لبنان إلى أماكن أخرى كان من بينها قطر.
لكنّ الانكشاف الأمني ليس السبب الوحيد لتعذّر انتقال قيادة الحركة إلى لبنان. فالعلاقة التي تربط حماس بالسلطة اللبنانية لم تعد كما كانت عليه قبل العدوان على لبنان والضربات الموجعة التي تلقّاها حزب الله من إسرائيل، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، إذ بات يصاحب هذه العلاقة الكثير من التوتر والحذر. وما كانت تلقاه الحركة من ترحيب واحتضان من أركان السلطة اللبنانية قبل 7 أكتوبر، تغيّر اليوم، خاصة أن سحب سلاح المخيمات بند أساسي على طاولة مجلس الوزراء، وهو ما لم تلتزم به حماس حتى اليوم.
إيران.. خروقات كبيرة
بدورها إيران، حليفة حركة حماس، والتي كانت في السابق تشكّل محطة دائمة لزيارات قادة الحركة ولقاء كبار المسؤولين في طهران، لم تعد هي الأخرى مكانًا آمنًا للتواجد فيها، بعد العدوان الإسرائيلي والأميركي عليها، ونجاح إسرائيل باغتيال كبار قادتها العسكريين، مما كشف عن خروقات كبيرة داخل السلطة الإيرانية.
وليس بعيدًا عن ذلك، يستحضر كثيرون اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في نهاية يوليو/ تموز من العام الماضي، وهو في ضيافة الحرس الثوري الإيراني بطهران.
تركيا.. تحديات أخرى
ربما تكون تركيا أبرز الأماكن التي سيتواجد فيها قادة حماس في المرحلة المقبلة. لكن هذا سيضع الحركة أمام تحدّيات أخرى. فالانكشاف الأمني أمام إسرائيل لن يكون بعيدًا عنها، خاصة أن الأجهزة الأمنية التركية سبق لها أن أعلنت عن ضبط عدد من خلايا إسرائيلية كانت تتجسّس على حماس.
ومن تجرّأ على انتهاك سيادة دولة حليفة للولايات المتحدة كقطر، وشنّت طائراته غارات على منازل سكنية في قلب الدوحة، لن تردعه سيادة دولة أخرى مثل تركيا، خاصة إذا لجأت إسرائيل إلى أساليب أكثر هدوءًا في استهداف قادة حماس، بعيدًا عن الضجيج الذي تُحدثه الغارات الحربية.
مصر.. وسيط لا محطة
تبقى مصر، وهي من الأماكن التي لا يغيب عنها قادة حماس، خاصة أثناء جولات التفاوض مع إسرائيل، والتي تشكّل ـ إلى جانب قطر ـ القناة التفاوضية الوحيدة. لكن فارقٌ كبير بين أن تلعب مصر دور الوساطة، وأن تكون محطة عابرة لقادة حماس للتباحث والتشاور مع المسؤولين المصريين، وبين أن تكون مكانًا للاستقرار. وهنا لا يمكننا إغفال حساسية النظام المصري تجاه الخلفية "الإخوانية" لحركة حماس.
المؤكد هو أن حال حركة حماس في الخارج لن يكون أفضل بكثير من حالها في غزة. ففي ظلّ جنون بنيامين نتنياهو المتصاعد، والعجز الدولي عن ردع الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية، ستصعب خيارات قيادة الحركة، وربما تضيق المساحات الجغرافية من حولها.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه