الجنائية الدولية تصر على معاقبة نتنياهو وأمريكا تعاقب القضاة.. ماذا يعني؟

يعزز رفض الاستئناف شرعية المحكمة ويمنح ثقلاً قانونياً إضافياً للخطوة التي اتخذها المدعي العام كريم خان

في انتصار جديد للقضية الفلسطينية، واستمرار لمحاكمة قادة الاحتلال على جرائمه المرتكبة ضد أهالي قطاع غزة، رفضت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي استئناف "إسرائيل" ضد مذكرتي التوقيف الصادرتين بحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه السابق، يوآف غالانت.

يمثل رفض المحكمة للتحرك الإسرائيلي، ضربة قانونية وسياسية كبيرة لدولة الاحتلال، وتؤكد على المسار الدولي لمحاسبة مرتكبي الجرائم في غزة، والاستمرار في التحقيق، وإبقاء أوامر الاعتقال التي صدرت العام الماضي بحق نتيناهو وغالانت سارية المفعول.

اتخذ قرار رفض الاستئناف بأغلبية داخل المحكمة، إذ أيده 3 قضاة في مقابل معارضة قاضيَين، ما جعل "إسرائيل" والولايات المتحدة تهاجمان الحكم.

الاحتلال سبق وادعى أن المحكمة لا تملك صلاحية التحقيق في جرائم الحرب في غزة، لأن القانون الدولي ينص على منحها الفرصة للتحقيق في هذه الادعاءات بنفسها، غير أن المدعي العام كريم خان أكد أن التحقيق الحالي هو امتداد لتحقيق فتح ضد "إسرائيل" سنة 2021، حين رفضت تل أبيب الفرصة التي أُتيحت لها للتحقيق في أفعالها.

المحكمة التي أعلنت في نوفمبر 2024 أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وضعت أسباباً معقولة لاعتقاد أنهما ارتكبا جرائم حرب في قطاع غزة، حيث قررت أن الاثنين مسؤولان عن جرائم التجويع كأسلوب من أساليب القتال، والقتل، والاضطهاد، وتوجيه هجمات متعمدة ضد السكان المدنيين.

وفي حينها أكدت المحكمة، أن مذكرات الاعتقال تصنف على أنها "سرية"، لحماية الشهود وضمان سير التحقيقات، ومع ذلك، قررت إصدار المعلومات الواردة في بيانها "لأن السلوك المماثل للسلوك الذي تناولته مذكرة الاعتقال يبدو أنه مستمر"، مضيفة أنها ترى أنه من مصلحة الضحايا وأسرهم أن يتم إعلامهم بوجود مذكرات الاعتقال".

يعزز رفض الاستئناف شرعية المحكمة، ويمنح ثقلاً قانونياً إضافياً للخطوة التي اتخذها المدعي العام كريم خان، في ملف الجرائم الإسرائيلية إلى واجهة المحافل الدولية.

خطوة المحكمة ينتظر أن تسهم في تصاعد العزلة الدولية لدولة الاحتلال، وتسليط الضوء على تآكل المظلة السياسية التي تحتمي بها تل أبيب، كما يعكس تنامي القبول الدولي بالرواية الفلسطينية بشأن جرائم الحرب في غزة، ويفتح الأفق أمام مزيد من التحركات الحقوقية لمحاسبة الاحتلال.

ويربك قرار المحكمة واستمرارها بالإجراءات القضائية الدولية ضد الاحتلال، ويعيق تحركات نتنياهو وغالانت خارجياً، الذي اضطر خلال أبريل الماضي السفر إلى الولايات المتحدة عبر مسار أطول بنحو 400 كيلومتر من المسار المطلوب لتجنب التحليق فوق دول يتوقع أن تنفذ أمر الاعتقال بحقه.

وفي رحلة أخرى إلى الولايات المتحدة في سبتمبر الماضي، مددت طائرة "كنف تسيون" مسار الرحلة بأكثر من 600 كيلومتر بسبب أوامر الاعتقال، وتجاوزت دولاً في أوروبا.

جاء الرد الأمريكي سريعاً، حيث فرضت إدارة الرئيس دونالد ترامب عقوبات على اثنين من قضاة المحكمة، في محاولة للضغط على المؤسسة القضائية الدولية، ولحماية حلفائها في "إسرائيل" من الملاحقة القضائية.

ورغم أن واشنطن ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنها مارست نفوذاً تقليدياً لتقويض قراراتها، خصوصاً إذا مست دولًا حليفة لها.

الخطوة الأمريكية تضع الولايات المتحدة في مأزق أخلاقي وسياسي وتضعف من صورتها كمدافع عن القانون الدولي، في الوقت الذي تنتقد فيه روسيا والسودان على مواقف مماثلة.

رئيس الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد) صلاح عبد العاطي، أكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين": أن "الهدف الحقيقي من القرارات ضد المحكمة الدولية يتمثل في الانتقام من القضاة بسبب التزامهم بالقانون وحماية المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من المساءلة الدولية".

واعتبر عبد العاطي، أن ذلك استمراراً لنهج أمريكي تصعيدي سبق أن شمل قضاة ومدعين في المحكمة، في محاولة واضحة لترهيب المؤسسة القضائية الدولية وثنيها عن أداء ولايتها القانونية في ملاحقة جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

ويوضح أن استهداف القضاة والمدعي العام وتهديدهم بالعقوبات يشكل اعتداء سافراً على استقلال القضاء الدولي وانتهاكاً خطيراً لمبدأ الفصل بين السياسة والعدالة، ومحاولة لتفريغ نظام روما الأساسي من مضمونه وتحويل العدالة الدولية إلى أداة بيد النفوذ السياسي.

ويؤكد أن هذا السلوك الأمريكي يعكس ازدواجية فاضحة في المعايير ويقوض الثقة بالنظام الدولي القائم على المساءلة وعدم الإفلات من العقاب، ويؤسس لسابقة خطيرة مفادها أن مرتكبي الجرائم يمكنهم الإفلات من العدالة تحت مظلة الحماية السياسية.

وحذر عبد العاطي من أن استمرار الضغوط والعقوبات والتهديدات بحق قضاة المحكمة ومدعيها العامين يشكل تهديداً مباشراً لمنظومة العدالة الدولية برمتها ويقوض ثقة الضحايا والمجتمعات المتضررة بإمكانية إنصافهم.

وشدد على أن المجتمع الدولي والدول الأطراف في نظام روما الأساسي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الإقليمية، مطلوب منهم رفض هذه العقوبات وإدانتها واتخاذ خطوات قانونية وسياسية لحماية المحكمة الجنائية الدولية وقضاتها ومدعيها العام وضمان استمرار التحقيقات وتنفيذ مذكرات التوقيف بحق جميع المتورطين في جرائم الإبادة وجرائم الحرب في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة.