هي ليست المرة الأولى التي تحاول واشنطن فيها التنصل من حماقات بنيامين نتنياهو في اعتداءات عسكرية خارج حدود إسرائيل. لكن مشكلة الإدارة الأميركية اليوم تختلف. فالمقاتلات الإسرائيلية تستهدف الدوحة الشريك الاستراتيجي المهم للولايات المتحدة في منطقة الخليج، تحت ذريعة مهاجمة قيادات حماس التي تحملها تل أبيب، مسؤولية سقوط المئات من القتلى والجرحى الإسرائيليين في العامين الأخيرين. فكيف سيكون شكل العلاقة بين دولة تعتدي على الوسيط وتريد منه أن يواصل جهوده السياسية؟
أبرز القواسم المشتركة التي وحدت الدول المنددة بالعدوان الإسرائيلي على الدوحة هي:
إدانة واستنكار هذا الاعتداء السافر والجبان. والهجوم المتهور الذي يشكل انتهاكًا صارخًا لسيادة قطر، وخرقا فاضحا لقواعد وأسس القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وتصعيدًا غير مسؤول يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. فالنهج العدواني والاستفزازي الإسرائيلي يكرس واقعًا لا يمكن السكوت عنه أو قبوله. والرد على إسرائيل سيتم عبر أكثر من طرف وفي أكثر من مكان: قطري ، خليجي، عربي، إسلامي، إقليمي، دولي، أممي.
الإجابة على سؤال كيف ستفعل الدوحة كل هذه المسارات ومن سيدعمها وينسق معها مهمة. ومعرفة ما الذي تهدف إليه قطر، حيث تردد تل أبيب أنها ستواصل استهداف من يشكل عليها خطرا أين ما كان لا يقل أهمية. لكن الأكثر أهمية هو كيف ستتعامل الدول في المنطقة مع التهديدات الإسرائيلية المفتوحة والتي لا تستثني أحدا كما يقول نتنياهو؟
الرد الأميركي "المتخبط" حيال استهداف دولة خليجية حليفة لواشنطن من قبل حليف آخر لها يحتاج إلى كثير من الجهد لتبريره وإقناع الدوحة وحلفائها في الخليج والجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية والساحة الغربية أنها لم تمنح نتنياهو الضوء الخضر للقيام بهذا الاعتداء.
صحيح أن مجلس الأمن الدولي ندد بالعدوان الذي نفذ ضد قطر، لكن فاته ذكر إسرائيل في البيان كشرط أميركي مسبق لعدم استخدام حق النقض وتسهيل صدور القرار بالإجماع. لن تكتفي الدوحة بذلك لكنها ستراعي الحاجة إلى دورها الدبلوماسي الفعال على خط التهدئة في قطاع غزة، والجهود السعودية المبذولة في نيويورك في إطار تفعيل جهود حل الدولتين. فبعد ساعات على العدوان الإسرائيلي قررت قطر إعادة تفعيل وساطتها بين إسرائيل وحماس انطلاقا من التزامها المبدئي بالسلام والاستقرار الإقليمي، كما أعلن رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
نتياهو لا يعلن فقط استهداف الوساطات والجهود الدبلوماسية التي تبذل في موضوع التهدئة في غزة، بل يؤكد اتساع رقعة الحرب والعمليات العسكرية التي لا حدود لها في الفضاء الإسرائيلي اللامحدود.
في المحصلة قرر نتنياهو إضافة العاصمة القطرية الدوحة إلى بنك الأهداف االتي اختارها، بعد تحديث الأوامر وتوسيع نطاقها لتصل إلى الدائرة الجغرافية الثالثة المحيطة بإسرائيل. الرسالة هي واضحة ساحة العمليات الإسرائيلية هي داخل حدود"الشرق الأوسط الكبير" الذي أعلنت عنه كونداليزا رايز وزيرة الخارجية الأميركية قبل عقدين، بحدود واسعة تشمل حوالي 40 دولة عربية وإسلامية وإقليمية بينها أفغانستان وباكستان ودول آسيا الوسطى مثل كازاخستان وأوزبكستان، وقررت تل أبيب الإلتزام به على طريق بناء إسرائيل الكبرى!
نشرت وسائل إعلام تركية وغربية أنباء تقول إن أنقرة أبلغت قطر بتحرك المقاتلات الإسرائيلية عند انطلاقها مما مكنها من إخلاء مكان اجتماع قيادات حماس قبل دقائق من الهجوم. كيف سيترجم ذلك سياسيا في مسار العلاقات التركية – الإسرائيلية؟
وجهت تل أبيب، وهي تعتدي على العاصمة القطرية، رسالتها "إلى كل دول الشرق الأوسط" كما قال رئيس الكنيست الإسرائيلي. تل أبيب وسعت رقعة استهدافاتها الجوية لتشمل كل جغرافيا الشرق الاوسط الجديد، فما هي حصة تركيا؟ وكيف قرأت الحدث؟ وكما هي خياراتها والدروس التي ستستخلصها حيال الإصرار الإسرائيلي على تحدي دول المنطقة، وقلب كل المعادلات والتوازنات بأساليبها التي تتم تحت الإشراف والرعاية الأميركية؟
أغضب الإعلان التركي السوري الأخير عن خطط المزيد من التنسيق العسكري تل أبيب حتما. وهي ستبحث عن المزيد من الفرص والأسباب لمواصلة استهداف الداخل السوري. ولن تعتبر مفاجأة بعد الآن محاولة إسرائيل التحرش بالمراكز العسكرية التركية في سوريا وأماكن انتشارها، حتى ولو عن طريق الخطأ المحسوب بدقة. الواضح أيضا هو أن استهداف الدوحة جاء مع ضربة إسرائيلية في العمق السوري، وجد فيها بعضهم رسالة إلى الجانب التركي الذي يطرح القطيعة التامة مع إسرائيل، على خلفية الاستمرار في العدوان على قطاع غزّة، وخلال الحديث عن استهداف أسلحة واجهزة تركية في سوريا . فهل يعني ذلك إقتراب موعد المواجهة المباشرة ؟
تحدثت وسائل إعلام عبرية عن أن إسرائيل تراجعت عن استهداف قادة حركة حـ.ـماس في تركيا، ونفّذت الضربة بدلاً من ذلك في قطر، في خطوة يُرجَّح أنها جاءت لتجنّب أي تداعيات سياسية أو اقتصادية مع أنقرة، عضو حلف شمال الأطلسي. بالمقابل نشرت وسائل إعلام تركية وغربية أنباء تقول إن أنقرة أبلغت قطر بتحرك المقاتلات الإسرائيلية عند انطلاقها مما مكنها من إخلاء مكان اجتماع قيادات حماس قبل دقائق من الهجوم. كيف سيترجم ذلك سياسيا في مسار العلاقات التركية – الإسرائيلية؟
يعلن رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية برهان الدين دوران في تغريدة له، على أن المجتمع الدولي لم يعد بوسعه التزام الصمت تجاه السياسات العدوانية لإسرائيل، وأن الوقت قد حان للوقوف إلى جانب القانون والعدالة. ما المقصود بذلك حيث يدور الحديث في الداخل التركي عن تحولات كبيرة مرتقبة في المشهد الإقليمي؟
العنوان الموحد للعديد من كتابات الرأي في الصحف والمواقع التركية المنشورة في اليومين الأخيرين، خصوصا المحسوب منها على الحكم في تركيا يقول "اليوم قطر وغدا تركيا فما الذي يمنع تل أبيب من ذلك ؟".
كيف ستتصرف واشنطن ودول الأطلسي عندما تقع المواجهة العسكرية المباشرة بين أنقرة وتل أبيب هو آخر ما يقلق الأتراك اليوم.
قررت إسرائيل تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة بما يتلاءم مع حساباتها ومصالحها. لم تتردد في استهداف دول الجوار وتوسيع رقعة الاستهداف لتصل إلى عمق الخليج في الدوحة. نتنياهو يتحرك سياسيا وعسكريا مثل الرصاص الطائش بأكثر من اتجاه. فما الذي يردعه كي لا تتحول المواقع وساحة النفوذ التركي في الإقليم إلى هدف عسكري للمقاتلات الحربية الإسرائيلية؟
سيناريوهان تصعيديان بطابع إسرائيلي أولا: تقرر تل أبيب أن التعاون العسكري التركي الإسرائيلي يضر بمصالحها ويهدد أمنها وأن عليها قطع الطريق مهما كان الثمن. فرضية أخرى، تنشط قيادات حماس في الداخل التركي وتقرر تل أبيب استهدافها هناك هذه المرة فهي "عناصر إرهابية تهدد أمن إسرائيل ولا بد من التعامل معها" لم لا؟ من هاجم الدوحة بضوء أخضر أميركي لن يتردد كثيرا بالاستفادة من هذا الضوء، حتى ولو كان المعني حليف وشريك آخر لواشنطن في المنطقة.
أصوات كثيرة في الداخل التركي باتت متحمسة جدا لسيناريو مضاد تحت عنوان تذرعت به تل أبيب لسنوات وهو "الرد الاستباقي" . التحرك التركي هذه المرة سيكون نتيجة للتحرشات الإسرائيلية على أكثر من جبهة.
تلجأ تركيا إلى هجوم ضد أهداف إسرائيلية في الداخل السوري، نتيجة لمواصلتها عمليات الاستفزازات والتحدي التي تمارسها، والتي تهدد مصالح وحلفاء تركيا، خاصة بعد استهداف الدوحة والتلويح الإسرائيلي باستهداف أسلحة وأجهزة عسكرية تركية داخل سوريا. هذا الهجوم سيكون مدفوعًا برغبة في حماية المصالح التركية السورية المشتركة، وردع إسرائيل عن توسيع نطاق عملياتها، وتمسك تل أبيب بلعب ورقة الأقليات في سوريا، وتثبيت دور تركيا كقوة إقليمية فاعلة.
تردد القيادات في إسرائيل أن احتمال المواجهة العسكرية المباشرة مع تركيا غير وارد. لكن كل المؤشرات تسير في اتجاه مختلف، يقول إن الحرب التركية–الإسرائيلية قد تكون قد بدأت فعليًّا قبل أسابيع، وأن في تركيا من يردد بين الأقلام الكبيرة والمعروفة أن الضربة التركية ينبغي أن تكون سريعة، قوية، وحاسمة.. في قلب تل أبيب. فهل تختار أنقرة اختبار القوة لردع تل أبيب، أم تلجأ إلى تكتيك "الصبر القاسي" الذي راكمته في أزمات مشابهة؟
في كل الأحوال، إسرائيل فتحت بابًا يصعب إغلاقه، وتركيا لن تبقى طويلًا عند العتبة.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً