فشل بين دمشق وبيروت في ملف المعتقلين السوريين.. ووزير العدل اللبناني يثير الجدل

ما تزال قضية السجناء السوريين في لبنان محط خلاف بين دمشق وبيروت، حي لم يتم التوصل لاتفاق على تسليمهم إلى السلطات السورية، رغم عقد عدة لقاءات بين الوفدين، السوري واللبناني، إذ برزت خلافات واسعة بين الجانبين حول البنود الأساسية لمشروع الاتفاق.

إلى جانب ذلك، أثارت تصريحات وزير العدل اللبناني، عادل نصار، بشأن السجناء السوريين، جدلا في الأوساط القانونية، إذ وُصفت على أنها مقايضة سياسية وتسيء إلى صورة الدولة.

عدم قبول شروط بيروت

لم يتم التوصل إلى اتفاق بين دمشق وبيروت يحدد آلية تسليم السجناء السوريين لدى لبنان، إذ لم تُحقق زيارة الوفد القضائي اللبناني إلى دمشق، يوم الأربعاء الماضي، النتائج المرجوة، في ظل رفضٍ سوري لغالبية ما تضمنته بنود مشروع الاتفاقية.

وأكد مصدر مقرّب من الوفد اللبناني، أن “الجو كان إيجابياً، ولم يُسجّل توافق على جميع النقاط”، مشيرا إلى أن مشروع الاتفاقية “يقتصر على المحكومين، ولا يشمل مَن لا يزالون يخضعون للمحاكمة، لأن تسليم الموقوفين يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب اللبناني، وهو غير متاح حالياً”

لكن مصادر متابعة للاجتماع الذي عُقد في العاصمة السورية، قالت إن مشروع الاتفاقية “ملغوم، ولا يمكن القبول به”، وكشفت عن “خلافات مستحكمة حول بندين رأت فيهما السلطات السورية محاولة التفاف من الجانب اللبناني على نقاشات دارت بين الجانبين في دمشق الشهر الماضي”

ونقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن المصادر، أن البند الأول ينصّ على أنه “يجوز للدولة المسلِّمة (لبنان) أن ترفض تسليم أي محكوم أو موقوف من دون أن تقدّم تبريراً، وذلك لأسباب خاصّة بها”. وعدّت المصادر أن هذا الأمر “يعطي الدولة اللبنانية الحق بعدم تسليم أي سجين سوري، من دون أن يسألها أحد عن المسوغات القانونية لذلك.”

أما البند الآخر الأكثر حساسية بالنسبة للسوريين، فإنه وفق المصادر، يعدّ تدخلاً في صلاحيات السلطات السورية. وأوضحت أن “هناك مشكلة كبيرة في المادة 10 من الاتفاقية، التي أرادها لبنان مطابقة للاتفاقية الموقعة بينه وبين باكستان”.

وتنص هذه المادة على أنه “لا يحقّ للدولة المسلَّم إليها (سوريا) أن تمنح عفواً لأي محكوم أو موقوف تتسلّمه من لبنان، في حين أن الاتفاقية مع باكستان لا تحرم الأخيرة حق منح العفو لمواطنيها الذين تستعيدهم من لبنان.”

وقالت المصادر إنّ الجانب السوري سبق أن ناقش جميع جوانب الاتفاقية مع لبنان خلال زيارة الوفد السوري إلى بيروت، وأبدى رغبة في أن يُسهّل الجانب اللبناني عملية تسليم المحكومين والموقوفين وفق آلية واضحة تحترم سيادة الدولة اللبنانية والقوانين المرعية، وتنص على منع أي سوري كان موقوفاً أو محكوماً من دخول لبنان مجدداً، وفي حال خالف ذلك يحق للبنان توقيفه ومحاكمته”.

وأشارت المصادر إلى أن الجانب السوري “مستاء بشدة” من الموقف اللبناني، وخصوصاً أن بعض السجناء السوريين المشمولين بالاتفاق أمضى بعضهم أكثر من 11 عاماً في السجون اللبنانية، ومنهم من بقي سنوات في التوقيف الاحتياطي قبل صدور الحكم.

كما أكدت دمشق للوفد اللبناني أنها لن تطلب استرداد أي شخص تثبت مشاركته في قتل جنود لبنانيين أو تنفيذ تفجيرات أدت إلى سقوط مدنيين، في محاولة لإزالة المخاوف اللبنانية من تسليم عدد من المحكومين.

وزير العدل اللبناني يثير الجدل

أطلق وزير العدل اللبناني، عادل نصار، تصريحات في لقاء جرى عبر قناة “الجديد”، إذ طالب بطي “صفحة الماضي” بين البلدين وإطلاق سراح جميع السجناء اللبنانيين في سوريا، بمن فيهم ممن شاركوا في القتال إلى جانب نظام الأسد المخلوع، في إشارة إلى مقاتلي “حزب الله” اللبناني.

وقال الرئيس التنفيذي لمنتدى الشرق الأوسط للسياسات، المحامي نبيل الحلبي، إن الوزير اللبناني “لا يعلم تفاصيل ملف المعتقلين السوريين في لبنان الذي يساوم عليه، كما لا يعلم أنه ليس ثمة موقوفين لبنانيين في السجون السورية على خلفية مشاركتهم بالقتال إلى جانب نظام الأسد.”

وأضاف، عبر حسابه في موقع “فيسبوك“، أن “السلطات السورية أوقفت بعد التحرير مهربي مخدرات وسلاح يحملون الجنسية اللبنانية. لعله يقصد هؤلاء”. وتساءل الحلبي فيما إذا كانت تصريحات الوزير اللبناني تمثل مجلس الوزراء والسياسة الحكومية.

تصريحات وزير العدل اللبناني بشأن استخدام المعتقلين السوريين في السجون اللبنانية كورقة ضغط على الحكومة السورية تُعدّ منزلقاً خطيراً، وتعبّر عن مقاربة لا تمتّ بصلة إلى قيم العدالة أو مسؤولية الدولة.

المختص بالقانون الجنائي الدولي والعلاقات الدولية المعتصم الكيلاني

وقال الكيلاني إن “الوزير يطرح مقايضة سياسية تتعلق بمحتجزين لبنانيين يقول إنهم شاركوا في القتال داخل سوريا، متجاهلاً حساسية الملف وعمق الانتهاكات المرتبطة به، ومتجاوزاً الواقع القانوني الذي يفترض أن يُبنى على الأدلة والإجراءات القضائية لا على المساومات، مع العلم أن ما يوجد من لبنانيين في السجون السورية هم المهربين وتجار المخدرات.”

واعتبر أن “تحويل ملف إنساني وقضائي بهذا الحجم إلى مادة للمناكفات أو لخطابات شعبوية يُسيء إلى صورة الدولة ويقوّض أي حديث عن احترام حقوق المحتجزين أو عن إدارة رشيدة للعلاقات اللبنانية-السورية.”

ويصل عدد السجناء السوريين في لبنان إلى 1700 شخص، بينهم 389 سجيناً صادرة بحقهم أحكام قضائية، وسط ظروف إنسانية سيئة للغاية، بينما توفي عدد منهم بسبب التعذيب وسوء الرعاية الصحية وحرمانهم من الدواء، وفق ما أفاد به سجناء خلال مقاطع مصورة سُربت من السجون.