السلطات السورية توقف الصحفي إياد شربجي وحقوقيون يحذرون من تجريم الرأي

أوقفت السلطات السورية، أمس الأحد، الصحفي إياد شربجي في دمشق على خلفية دعوى قضائية تتعلق باتهامات بإثارة النعرات الطائفية، في خطوة أثارت انتقادات حقوقية وتساؤلات حول حدود حرية التعبير.

ويأتي توقيف شربجي في وقت تؤكد فيه السلطات السورية التزامها بهامش أوسع من الحريات الإعلامية بعد مرحلة سياسية جديدة، ما أعاد إلى الواجهة النقاش حول كيفية تعامل الأجهزة الأمنية والقضائية مع القضايا المرتبطة بالرأي والنقد الصحفي.

التوقيف بتهمة “إثارة النعرات الطائفية”

وبحسب المصادر، فإن شربجي توجه إلى مقر الأمن الجنائي في دمشق لمراجعة رسمية، قبل أن يتم توقيفه هناك. وحتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر وزارة الداخلية السورية أي بيان يوضح أسباب التوقيف أو الإطار القانوني الذي استند إليه.

وتعود القضية إلى دعوى رفعها المحامي رشيد عبد الجليل ضد شربجي، إلى جانب الممثل جلال شموط، تتضمن اتهامات بالقدح والذم وإثارة النعرات الطائفية وتهديد الوحدة الوطنية.

ووفق نص الدعوى، فإن الاتهامات جاءت على خلفية مقطع مصور نشره شربجي، اعتبره مقدّم الدعوى “تهجما مباشرا” على شريحة من السوريين، ولا سيما جيل نشأ في محافظة إدلب خلال سنوات الثورة.

من جانبه، نفى شربجي هذه الاتهامات، موضحا في منشور عبر صفحته على “فيسبوك” أنه لم يكن يقصد الإساءة إلى محافظة إدلب أو أهلها، بل تناول قضية جيل نشأ في ظروف استثنائية، يضم أبناء من مختلف المحافظات السورية، معتبرا أن طرحه يندرج في إطار النقاش العام وضرورة معالجة آثار تلك المرحلة.

مواقف حقوقية وانتقادات قانونية

أثار توقيف شربجي ردود فعل واسعة في أوساط قانونية وحقوقية. وكتب المحامي السوري إيهاب عبده على صفحته في “فيسبوك”، أن توقيف شربجي يعكس استمرار العمل بقوانين مقيدة للحريات تعود إلى حقبة النظام السابق، مشيرا إلى أن هذه التشريعات لم تُعلّق رغم الحديث عن تغييرات سياسية ودستورية.

بدوره، اعتبر المحامي والناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان ميشال شماس أن استدعاء شربجي وتوقيفه يشكل “سابقة خطيرة” تمس جوهر حرية التعبير والعمل الصحفي، محذرا من تحويل الخلافات الإعلامية أو السياسية إلى ملفات أمنية.

وأكد شماس أن الادعاء نيابة عن “أهالي مدينة أو محافظة” بأكملها يفتقر إلى الأساس القانوني، مشددا على أن النقد والتحليل، مهما كانا حادين، يبقيان ضمن نطاق حرية التعبير ما لم يتضمنا تحريضا مباشرا على العنف أو الكراهية.

وأشار شماس إلى أن طبيعة التهم المرتبطة بالرأي لا تستوجب التوقيف، معتبرا أن الإجراء القانوني السليم يقتصر على سماع الأقوال وترك الصحفي رهن المتابعة القانونية عند الاقتضاء، لا احتجازه ولو ليوم واحد، لما يحمله ذلك من رسائل مقلقة إلى الوسط الصحفي.

من جهته، اعتبر المحامي جلال الحمد، أن الإشكالية لا تتعلق فقط بسلامة الإجراءات، بل بجوهر القوانين المطبّقة نفسها.

وكتب الأحمد على صفحته في “فيسبوك”، أن القوانين التي يُحاكم بموجبها الصحفيون صدرت في عهد بشار الأسد، محذرا من أن اعتبار ما يجري اليوم “تطبيقا لسيادة القانون” يقود إلى نتيجة خطيرة مفادها تبرير كل ما ارتُكب سابقا تحت مظلة تلك القوانين، والتشكيك بكل الانتهاكات التي وثّقها السوريون خلال السنوات الماضية.

من هو إياد شربجي؟

إياد شربجي صحفي سوري يقيم في الولايات المتحدة، وعاد مؤخرا إلى سوريا للمشاركة في فعاليات مرتبطة بالذكرى الأولى لتحرير البلاد. وسبق أن ظهر قبل أيام في برنامج “على الطاولة” عبر الإخبارية السورية، حيث تحدث بإيجابية عن هامش الحرية المتاح في الإعلام.

ويُعرف شربجي بمواقفه النقدية للسلطات السورية وبانتقاده للطابع الديني للدولة. كما أسهم في تأسيس “رابطة الصحفيين السوريين” عام 2012، وشارك في إطلاق موقع “السوري الجديد” عام 2015، وتولى رئاسة تحريره، كما، ترأس تحرير مجلة “شبابلك”، التي توقفت عام 2009 بعد مضايقات أمنية متكررة.

ويأتي توقيف شربجي في ظل مراقبة داخلية وخارجية لكيفية تعامل السلطات السورية مع حرية الصحافة، وسط مخاوف حقوقية من أن يؤدي توسيع استخدام تهم فضفاضة مرتبطة بالرأي إلى تقويض الثقة بالإصلاحات المعلنة، في وقت لم تصدر فيه الجهات الرسمية توضيحا بشأن مصير الصحفي أو المسار القانوني للقضية.