Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

تلفزيون سوريا

الأحد، 14 سبتمبر 2025
تلفزيون سوريا

ثمة ميل حاليا لدي كثير من المثقفين السوريين إلى توجيه اللوم لمعارضي السلطة الانتقالية الحالية واعتبارهم هم سببا أساسيا في عجز السلطة عن بناء دولة حقيقية. يقال لهم إنهم متسرعون ولا صبر لديهم على (الدولة الوليدة) التي ورثت بلدا مدمرا ومنهكا بالكامل. ويقال إنهم يسارعون إلى تضخيم الأخطاء التي يرتكبها عناصر السلطة أو موالون لها مما يعيق عملية البناء بسبب هذا التشويش على السلطة. يقال أيضا إن معارضي السلطة المؤقتة لن يتوقفوا عن لومها حتى لو أصبحت (سنغافورة) حقيقية؛ فهم يعارضون لمجرد المعارضة وينتقدون لمجرد النقد لا بقصد التصويب والإصلاح.

أما أغرب ما يقال فهو أن هؤلاء المعارضين لن يرضوا مهما فعلت (الدولة الجديدة)، فهم يرفضون أن يحكم سوريا أحد من أكثريتها، ما يريدونه هو استمرار حكم الأقليات لها لذلك لن يرضوا حتى يتحقق ذلك. والمؤسف أن كثر ممن يتبادلون هذه الأفكار أو يطرحونها في كتاباتهم عن سوريا هم من المثقفين الديموقراطيين، ممن يفترض بهم التحلي بالموضوعية في فهم ما يحدث لا النظر إليه من زاوية وحيدة تساويهم مع بعض مؤثري السوشال ميديا ممن يتلاعبون بغرائز السوريين عبر إطلاق أفكار شعبوية توحي بأنها داعمة للسلطة المؤقتة لكنها في الحقيقة تعمل تقويض أي بادرة حسن نية وطنية لديها بإظهارها أنها مجرد سلطة لفئة واحدة من السوريين بينما باقي الفئات يجب أن يكونوا ضحايا فاشية سلطوية شعبوية لا يمكنها بناء دولة حقيقية.

سأقول لكم إنني من هؤلاء المعارضين المتهمين بعدم الرضا مهما فعلت هذه السلطة، يوجه لي بعض الأصدقاء على صفحتي في فيس بوك هذا الكلام، ويترك سوريون آخرون تعليقات مشابهة على مقالاتي. بعض الأصدقاء من كبار المثقفين السوريين حظرني على وسائل التواصل، (حظرت أنا بعضهم أيضا)، وتقام لي حفلات شتم جماعية على وسائل التواصل ينظمها بعض (المؤثرين) المدافعين عن السلطة المؤقتة.

لم يتورع أحد المؤثرين أيضا من وضع اسمي مع رقم هاتفي في تعليق في موقع للأفلام الإباحية وتعرضت بسببه إلى إزعاجات وإساءات مهولة وأنا الكاتبة المعارضة المعروفة للنظام السابق والتي تجاوزت الستين من عمري، والغريب أن من فعل هذا فاخر بذلك (عن قصد أو عن غباء) دون أن يخشى عقابا على فعلته (الحقيقة أنني بدأت بالإجراءات القانونية). هذا عدا عن رسائل التهديد والشتم التي كانت تصلني على بريد رسائل فيس بوك قبل أن ألغي خاصية إرسال الرسائل لغير الأصدقاء.

أنا من هؤلاء المعارضين الذين يتهمهم بعض الأصدقاء بعدم الرضا مهما فعلت هذه السلطة. لكن قبل أن أتحدث عن أسباب عدم رضاي ضعوا أنفسكم مكاني وقد تعرضتم لكل ما تعرضت له واسألوا أنفسكم السؤال التالي: لماذا علي أن أتوقف عن نقد سلطة لا يتورع مؤيدوها عن ارتكاب أي فعل ضد معارضيها مهما كان مسيئا؟ وهل اختلف ذلك عن مرحلة الأسد التي كنا معا في صف واحد ضدها؟

بعد أشهر قليلة جدا سوف يمضي على تسلّم هذه السلطة للحكم عاما كاملا لم تستطع فيه أن تخطو بسوريا خطوة واحدة للأمام نحو بناء دولة قوية موحدة وقادرة على النهوض ببنيتها السياسية والمجتمعية. والقول إنها ورثت بدل البلاد خرابة لم يعد يكفي للتبرير، ذلك أن الكفاءات السورية المنتشرة حول العالم يمكنها بناء أعظم الدول في سنة واحدة، أو على الأقل وضع أسس صحيحة وخطط استراتيجية لبنائها، لكن يبدو أن هذه السلطة الحاكمة لديها موقف أيديولوجي حاسم من السوريين الذين لا ينتمون إلى خطها الفكري السلفي، أو لديها مشكلة مع السوريين الثوريين بحق، ودعوني هنا أستثني أبناء الأقليات ممن ثاروا ضد الأسد وعانوا ما عاناه غيرهم من باقي السوريين.

دعونا نتحدث عن أبناء الأكثرية (حاضنة الثورة) كما اصطلح على تسميتها. مئات آلاف من شباب وصبايا الأكثرية السورية ممن وقفوا ضد نظام الأسد سياسيا ومدنيا وعسكريا، من أصحاب الخبرات السابقة واللاحقة، الذين استطاعوا إثبات حضور هائل في المجتمع الدولي، هؤلاء لا يجدون مكانا لهم اليوم في سوريا الجديدة، ويتم استبدالهم بأشخاص لا يعرف عنهم أي شيء سوى أسمائهم الحركية الجهادية، وغالبيتهم ليس لديهم أي خبرة لا إدارية ولا سياسية ولا اقتصادية ولا مدنية. ومع ذلك هم على رأس المسؤولية في دولة بالغة التعقيد في بنيتها الاجتماعية ومنهارة على كل الأصعدة.

وحين نتحدث عن الفشل الذي يتراكم يوما وراء يوم من هذا الأداء الركيك يعتبرنا أصدقاؤنا في الثورة أننا غير قابلين للإرضاء. لا بأس. أخبرونا أنتم عن نجاحات هذه السلطة وأنا، وغيري جاهزون للاعتذار. هل تم حل أية مشكلة اقتصادية؟ اجتماعية؟ أمنية؟ عسكرية؟ سيادية؟ معيشية؟ هل تم نسج أي خيط في بساط المجتمع السوري أم تم تفكيك ما لم يكن قد فكك بعد؟ أين النجاح الإعلامي في هذه الدولة الوليدة؟ أين النجاح الثقافي؟ لا نريد التحدث عن الملف الأمني وقصة الفلول والهجري وقسد وغير هذه الملفات، لنحكي فقط عن استمرار القتل تحت التعذيب للسوريين في معتقلات الدولة الجديدة.

لماذا يعتبر حديثنا عنها مبالغة في النقد؟ قبل أيام تعرض صديق لي ستيني وشخصية اعتبارية في سوريا والعالم العربي إلى ضرب وإهانات وشتائم في قلب دمشق لأن الحاجز الذي أوقفه ظنه يشرب زجاجة بيرة بينما كان يشرب من زجاجة المياه الغازية (بيريه) والتي تباع في دمشق بشكل عادي وطبيعي. صديقي لا يشرب الكحول أصلا وهو من الأكثرية بالمناسبة، وأحد العناصر عرف من هو لكنه لم يتجرأ على مخالفة أوامر رئيسه بضربه وشتمه أمام الناس. هل هذا سلوك يجب عدم انتقاده والحديث عنه بوضوح كي لا نبدو مغالين في انتقادنا للسلطة؟ لن نتحدث عن المجازر التي حدثت في الساحل والسويداء ولا عن التحالف مع مجرمين أسديين ولا عن المماطلة في ملف المفقودين وملف العدالة الانتقالية، ولن نتحدث عن سيطرة عائلة الشرع على الاقتصاد السوري ولا عن المحسوبيات والمحاصصة والتي لا تختلف عما كان يحدث زمن الأسد. ولن نتحدث عن الاستثمارات الوهمية التي يتم بها إلهاء هذا الشعب المنكوب. نحن هنا نتحدث فقط عن حوادث يومية تستهدف سوريين يظنون أنهم آمنون وكراماتهم مصانة وأنهم سوريون أحرار، هؤلاء الذين يتعرضون لانتهاكات يومية من قبل عناصر الدولة الذين يفترض بهم حماية أمن البلد وأمن المواطنين. هل هذه حوادث عادية نضخمها نحن المعارضين للسلطة المؤقتة التي تتصرف كما لو أنها منتخبة وأبدية؟

حين أقرأ ما يكتبه بعض الأصدقاء عن المبالغة في المعارضة وعن ضرورة النقد البناء، يخيل إلي أننا، نحن المقصودين في كلامهم، نحمل، أقله، معاول هدم ونلاحق إنجازات السلطة، كل إنجاز تنجزه ننهال عليه نحن بمعاولنا ونهده. أو ربما لدينا أسلحة نحارب بها هذه السلطة ونعيقها عن التقدم. بينما الحقيقة هي أننا لا نملك غير كلامنا وكتاباتنا، التي لا تكترث السلطة المؤقتة لها أصلا، ولا يعنينها كل ما يكتب عنها. هي مكتفية بمجموعة (المؤثرين) الذين يلاحقون ما نكتبه كي يسيئوا لنا وللسلطة نفسها. والحقيقة الأخرى أيضا هي أن إنجازات هذه السلطة صفرية تماما، وما نفعله نحن هو نقد هذا الصفر في بناء الدولة، ونقد ما تحته في إعادة المجتمع السوري إلى مجموعات مذهبية وقبلية وعشائرية على يد هذه السلطة التي لا يبدو أن أحدا فيها يدرك ماذا يعني المجتمع والوطن والمواطنة.

Loading ads...

حري بأصدقائنا الذين ينتقدون نقدنا أن لا يكرروا ما انتقدوه زمن الثورة من تحول بعض المثقفين إلى معارضة المعارضة بدلا من معارضة النظام وكانوا هم في مرمى سهام هؤلاء؛ أمر مؤسف أن يعاد كل ما حدث خلال الأربعة عشر عاما الماضية كما لو أن الزمن وقف مكانه، بينما تبادل الأشخاص الأدوار في سيناريو متكرر. هل التاريخ يا ترى هو من يعيد نفسه أم أننا نحن البشر نقسره على ذلك؟

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه