واشنطن بوست: إسرائيل وتركيا في سوريا.. صدام محتمل أم توازن دبلوماسي؟

أثارت الغارة الإسرائيلية التي استهدفت اجتماعاً لقيادات حماس بقطر عاصفة من القلق في تركيا تجاه احتمال تحولها إلى الهدف القادم لإسرائيل.
ومن أنقرة يوم الخميس الماضي، حذر الناطق باسم وزارة الدفاع التركية، الأدميرال زكي آكتورك، من احتمال "توسع إسرائيل بشكل أكبر في هجماتها الطائشة، كما فعلت في قطر، مما قد يجر المنطقة بأسرها، وإسرائيل نفسها، نحو الخراب".
توتر في العلاقات
قامت في السابق شراكة إقليمية متينة بين تركيا وإسرائيل، إلا أن العلاقات بين البلدين شابتها خلافات منذ أواخر العشرية الأولى من الألفية الثالثة، فوصلت العلاقات لأدنى مستوياتها تاريخياً بسب بالحرب على غزة التي اندلعت بسبب هجوم نفذته حماس في السابع من تشرين الأول عام 2023 على جنوبي إسرائيل، كما زاد التوتر بين البلدين مع احتدام التناحر بينهما على النفوذ في الجارة سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد في العام الماضي.
منذ أمد طويل والرئيس التركي رجب طيب أردوغان يدعم القضية الفلسطينية وكذلك حماس، وهذا ما جعله ينتقد إسرائيل، وعلى الأخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بخطاب شديد اللهجة منذ بداية الحرب على غزة، حيث اتهم إسرائيل بارتكاب المجازر وشبّه نتنياهو بزعيم النازية أدولف هتلر.
تزور قيادات حماس تركيا على الدوام، وبعضهم يقيم فيها، ولذلك سبق لإسرائيل أن اتهمت تركيا بالسماح لحماس بالتخطيط لتنفيذ هجمات من الأراضي التركية، إلى جانب تنفيذ عمليات التجنيد وجمع التبرعات لصالح الجماعة.
سابقة أقلقت أنقرة
يعتبر أردوغان مقرباً من قادة قطر، وتحتفظ تركيا بعلاقات عسكرية وتجارية قوية معها، ومن المزمع أن يسافر أردوغان إلى قطر خلال عطلة نهاية الأسبوع من أجل حضور قمة تجمع قادة العرب والمسلمين.
بعد الغارات الإسرائيلية التي استهدفت إيران وسوريا واليمن، والآن قطر، بات لزاماً على أنقرة أن تقلق تجاه قدرة إسرائيل على التصرف وبكل حرية ضمن المجال الجوي للدول المجاورة لتركيا.
وتعليقاً على ذلك يقول سرحات سهى شوبوكجوأوغلو مدير برنامج تركيا الاستشاري لدى مؤسسة تريندز للأبحاث: "إن قدرة إسرائيل على تنفيذ غارات مع إفلاتها مع العقاب، وذلك عبر تجاوز الدفاعات الجوية في المنطقة إلى جانب مخالفة القواعد الدولية يعتبر سابقة تقلق أنقرة إلى حد بعيد".
ترى تركيا في تلك الهجمات "استراتيجية إسرائيلية موسعة تهدف لإقامة منطقة عازلة في مناطق متفرقة ضمن دول ضعيفة أو مسالمة من حولها".
تركيا وتفوقها العسكري
وعبر تجاوز خط لم تفكر إسرائيل قط بتجاوزه قبل الآن، وذلك بعد أن هاجمت قطر التي تعتبر حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة ووسيطاً في محادثات وقف إطلاق النار بغزة، ثارت شكوك كبيرة حول المدى الذي بوسع إسرائيل أن تصل إليه عبر استمرار استهدافها لحماس.
من خلال عضوية تركيا في حلف شمال الأطلسي، يبدو بأنها تتمتع بقدر أكبر من الحماية في وجه الاستهداف الإسرائيلي مقارنة بالحماية التي تتمتع بها قطر من خلال علاقاتها الوطيدة مع الولايات المتحدة.
كما تفتخر تركيا بقوتها العسكرية الأعظم من قوة تلك الدولة الخليجية، بما أن القوات المسلحة التركية تحتل المرتبة الثانية من حيث العدد بعد الولايات المتحدة وذلك بين دول حلف شمال الأطلسي ناهيك عن صناعاتها الدفاعية المتطورة.
مع تصاعد التوتر بين البلدين، صارت تركيا تتباهى بدفاعاتها، إذ خلال هجوم إسرائيل على المقار النووية الإيرانية في حزيران الماضي، أعلن أردوغان عن زيادة في إنتاج الصواريخ، وفي الشهر الماضي دشن رسمياً "القبة الفولاذية" التركية ضمن منظومة الدفاع الجوي، كما جرى تسريع العمل على مشاريع مثل مشروع الجيل الخامس من طائرات KAAN الحربية المقاتلة.
استبعد أوزغور أنولوهصارجيكلي مدير صندوق مارشال الألماني في أنقرة استهداف غارة جوية إسرائيلية لأراض تتبع لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي، لكنه في الوقت نفسه رجح حدوث تفجير على مستوى صغير أو هجمات بالأسلحة الخفيفة على أهداف تتبع لحماس في تركيا وذلك على يد عملاء لإسرائيل.
في الوقت الذي ذكر شوبوكجوأوغلو بأن الغارة التي استهدفت قطر يمكن أن تزيد من دعم أنقرة لحماس، وقال: "وهذا ما يتماشى مع القلق في تركيا من احتمال توسيع إسرائيل لتلك العمليات بحيث تصل في نهاية المطاف إلى الأراضي التركية... لأن الحكومة التركية تعتقد بأن التخلي عن حماس الآن قد يضعف نفوذها إقليمياً، في حين يعزز صمودها دورها كمدافعة عن القضية الفلسطينية في مواجهة العدوان الإسرائيلي".
تصاعد التوتر في سوريا
في الوقت الذي ينصب التركيز على التوترات بسبب الحرب في غزة وعلاقة تركيا بحماس، يحذر أونلوحصارجيكلي من خطر أكبر في سوريا، حيث يرى بأن إسرائيل وتركيا أصبحتا "في طور الصدام"، وأضاف: "إنه لمن الوهم التفكير بأن استهداف القوات التركية أو الحليفة لتركيا أو وكلائها في سوريا شيء من الشطط البعيد".
منذ أن خلع ثوار سوريا الأسد في كانون الأول الماضي، زاد التوتر في تركيا وإسرائيل في سوريا، فقد دعمت تركيا الحكومة الجديدة المؤقتة هناك، وسعت لمد نفوذها، وخاصة في المجال العسكري.
في حين نظرت إسرائيل إلى الحكومة السورية الجديدة بعين الشك، ولذلك احتلت المنطقة العازلة في الجنوب السوري التي كانت تحرسها دوريات أممية، كما شنت مئات الغارات الجوية على مواقع عسكرية سورية، ثم نصّبت نفسها حامية للطائفة الدرزية في سوريا في مواجهة السلطات ذات الغالبية السنية في دمشق.
هذا وقد يمتد التوتر ليشمل مناطق أوسع شرق المتوسط، إذ يرجح لإسرائيل أن تتقارب مع اليونان والقبارصة اليونانيين لمجابهة الوجود العسكري التركي في قبرص الشمالية.
تركيا تجمع ما بين الردع والدبلوماسية
تبدو تركيا كمن يسعى لتحقيق مزيج من الردع العسكري والدبلوماسية في سوريا وذلك بهدف نزع فتيل التوتر لتجنب أي نزاع مباشر مع إسرائيل.
فقد جرت محادثات بين مسؤولين أتراك وإسرائيليين بهدف إنشاء "آلية خفض تصعيد" في سوريا، وتلت تلك الخطوة غارات إسرائيلية استهدفت قاعدة جوية بسوريا قيل إن تركيا كانت تخطط للاستعانة بها، في حين ذكر نتنياهو بأن القواعد التركية في سوريا قد تصبح "خطراً على إسرائيل".
وخلال الشهر الماضي، وقعت أنقرة مع دمشق اتفاقية تقوم بموجبها تركيا بتقديم التدريب العسكري والمشورة للقوات المسلحة السورية.
والآن يأمل أردوغان من واشنطن أن تتخذ موقفاً متشدداً تجاه أي عملية عسكرية إسرائيلية.
إذ في الوقت الذي يسعى نتنياهو للحصول على دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مواجهة تركيا، أسبغ ترمب مديحه على أردوغان عوضاً عن مساندة نتنياهو وذلك لأن أردوغان "استولى على سوريا" حسب وصفه، ثم حث نتنياهو على "التعقل" في تعامله مع تركيا.
ولكن، وكما ظهر من خلال الغارة التي استهدفت قطر، فإن وجود علاقات وطيدة مع واشنطن لا يضمن حماية البلد من خطر إسرائيل بالضرورة.
كما أظهرت الغارة التي استهدفت قطر بأنه: "لا حدود لما يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تفعله" برأي أونلوحصارجيكلي.
المصدر: The Washington Post(link is external)
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه