في الوقت الذي تنفد فيه بطاريات الهواتف الذكية بسرعة، وتعجز السيارات الكهربائية أحياناً عن إكمال رحلتها؛ بسبب محدودية الشحن، يبرز ابتكار جديد قد يغيّر قواعد اللعبة. فبينما تحتاج بطاريات «الليثيوم-أيون» التقليدية إلى إعادة الشحن باستمرار، كما تفقد كفاءتها مع كثرة الاستخدام، يجري حالياً تطوير نوع جديد من البطاريات النووية الآمنة، بالاعتماد على الكربون المشع، بما يمكن أن تستمر لعقود دون إعادة شحن.
وقد تمثل هذه التقنية حلاً مستداماً وصديقاً للبيئة، خصوصاً مع ازدياد الاعتماد على الأجهزة الذكية والتقنيات المتصلة التي تتطلب طاقة طويلة الأمد.
بطاريات نووية
وفي هذا السياق، أعلن باحثون من جامعة أوتاوا الكندية عن تقدّم مهم في مجال بطاريات «بيتا فولتية (Betavoltaic)»، وهي نوع من البطاريات النووية القادرة على توليد الكهرباء لفترات تمتد لعقود دون الحاجة لإعادة الشحن، حتى في أقسى الظروف مثل الفضاء، قاع المحيط، أو القطب الشمالي. وبالتعاون مع المختبرات النووية الكندية (CNL)، التي تمتلك خبرة واسعة في تطوير البطاريات النووية، قدّم الفريق البحثي 3 مؤشرات جديدة لقياس ومقارنة كفاءة هذه البطاريات، ونُشرت النتائج في عدد 25 أغسطس (آب) 2025 من دورية «Cell Reports Physical Science».
يقول الدكتور ماثيو دي لافونتين، الأستاذ المساعد في كلية الهندسة بجامعة أوتاوا والباحث الرئيسي للدراسة، إن الاختلاف الأساسي الذي يميز بطاريات «بيتا فولتية» عن بطاريات الليثيوم-أيون التقليدية يكمن في عمرها التشغيلي الطويل، وقدرتها على العمل في بيئة قاسية.
ويضيف في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هذه البطاريات قادرة على توليد الكهرباء بشكل مستمر لأكثر من عقد كامل، حيث إن مدة تشغيلها ترتبط بعمر النصف للنظائر المشعة المستخدمة فيها، الذي يتراوح عادة بين 10 و100 سنة، كما أن هذه التكنولوجيا قادرة على العمل ضمن نطاق واسع من درجات الحرارة.
وعُمر النصف هو المدة الزمنية التي يحتاج إليها نصف عدد الذرات المشعة في مادة معينة كي تتحلل وتفقد نشاطها الإشعاعي. فمثلاً، إذا استُخدم نظير مشع في بطارية نووية بعمر نصف مقداره 10 سنوات، فإن البطارية تعطي عند بداية التشغيل 100 في المائة من طاقتها، وبعد 10 سنوات (عمر نصف واحد) تنخفض الطاقة إلى 50 في المائة، وبعد 20 سنة (عمر نصفين) تنخفض إلى 25 في المائة، وبعد 30 سنة تصل إلى 12.5 في المائة.وهذا يعني أن البطارية لا تتوقف فجأة عن العمل، بل تفقد قدرتها تدريجياً مع مرور الوقت وفقاً لعمر النصف للنظير المستخدم فيها».
مؤشرات قياسية
وضع الباحثون 3 مؤشرات قياسية جديدة لتقييم أداء بطاريات «بيتا فولتية»، تتمثل في «كفاءة الالتقاط» التي تقيس قدرة المادة على امتصاص طاقة جسيمات «بيتا»، و«الكسب» الذي يرصد عدد الشحنات الكهربائية الناتجة عن جسيمات «بيتا»، و«كفاءة الكسب» التي تقيس قدرة الجهاز على جمع الشحنات المتولدة وتحويلها إلى تيار كهربائي فعّال. وأشار دي لافونتين إلى أن هذه المؤشرات تمثل نقلة نوعية في أبحاث هذا المجال، إذ تساعد على فهم أفضل لكيفية عمل الجهاز تبعاً لطاقة الإشعاع التي يستقبلها؛ فكما أن الألواح الشمسية تتفاعل بشكل مختلف مع الضوء الأزرق مقارنة بالضوء الأحمر، فإن الخلايا «بيتا فولتية» تؤدي بشكل مختلف عند تعرضها لجسيمات بيتا منخفضة أو عالية الطاقة.
وتمنح هذه المؤشرات الباحثين والمصنعين أدوات دقيقة لتقييم أجهزتهم ومقارنتها عبر مختلف التقنيات، ما يسرّع تطويرها ويكشف نقاط القوة والضعف في تصميمها. كما وُصفت هذه المؤشرات بأنها «أرقام معيارية» تتيح فهماً أفضل للآليات الفيزيائية الداخلية لهذه البطاريات، وتساعد على تحديد أوجه القصور ووضع إطار عالمي عادل للمقارنة بين مختلف التقنيات. وعن أبرز مجالات التطبيق، أوضح دي لافونتين أن هذه البطاريات ستكون مفيدة بشكل خاص في البيئات التي يصعب فيها شحن أو استبدال البطاريات التقليدية. ومن أمثلة ذلك استخدامها في الأجهزة الطبية المزروعة داخل الجسم، مثل أدوات تنظيم ضربات القلب ومحفزات الحبل الشوكي، إضافة للمستشعرات المستخدمة في الفضاء السحيق، وأعماق البحار، أو القطب الشمالي.
كما يمكن أن تكون ذات فائدة في الأجهزة التي لا تحتمل التوقف عن العمل، مثل كاشفات الغازات الخطرة، وهي أجهزة تكشف وجود الغازات القابلة للاشتعال أو السامة أو السامة جزئياً في البيئة، بهدف حماية الأشخاص والمعدات من المخاطر، حيث تعتمد معدلات السلامة فيها على التشغيل المستمر.
وحول مستقبل هذه التكنولوجيا، يرى دي لافونتين أنها لن تتحول لمصدر طاقة رئيسي واسع الاستخدام، لكنها قد تشهد اهتماماً متزايداً في المستقبل، خصوصاً مع صغر حجمها وخفة وزنها، ما يجعلها خياراً جذاباً مع التطور السريع في أجهزة إنترنت الأشياء اللاسلكية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه