الأمم المتحدة: لدى سوريا فرصة لتحويل أزمتها إلى نجاح والوضع على الأرض ما يزال هشا

قالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو، إن الشعب السوري يواصل التأكيد على “إيمانه الراسخ بالسلام والاستقرار والازدهار والعدالة”، بعد مضي عام على فرار بشار الأسد من البلاد، مضيفة أن الآمال والتوقعات عالية، “والتحديات المقبلة جسيمة”.

وفي كلمتها أمام مجلس الأمن الدولي أمس الخميس، أفادت ديكارلو بإحراز تقدم كبير خلال العام الماضي، حيث أعادت الحكومة السورية مؤسسات الدولة وبدأت في دمج الفصائل المسلحة تحت قيادة واحدة، فيما أصدرت إعلانا دستوريا، وشكلت حكومة جديدة، وأجريت انتخابات تشريعية غير مباشرة في تشرين الأول/ أكتوبر.

وأشارت ديكارلو إلى أن السوريين عادوا إلى ديارهم بأعداد كبيرة، بمن فيهم أكثر من مليون لاجئ وما يقرب من مليوني نازح داخليا، وقد رُفعت العديد من الدول العقوبات الثنائية المفروضة على سوريا، بما في ذلك إلغاء “الكونغرس” الأميركي لقانون “قيصر”.

الوضع ما يزال هشاً

لكن المسؤولة الأممية أكدت أن الوضع على الأرض ما يزال هشا، على الرغم من الانخفاض الملحوظ في مستويات العنف، حيث “أدت سنوات الصراع وعقود من الحكم القمعي وانتهاكات حقوق الإنسان إلى تفاقم التوترات على أسس طائفية”.

مجلس الأمن الدولي – انترنت

وتطرقت إلى الأحداث في الساحل السوري والسويداء، فضلا عن التوتر بين الجيش و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

وقالت إنه في كثير من الحالات، غذت خطابات الكراهية وحملات التضليل “الصراع والخوف بين المجتمعات”، مشيرة إلى استمرار ورود تقارير عن عمليات إعدام خارج نطاق القضاء وعمليات اختطاف “تستهدف مجتمعات محددة، بما في ذلك العلويين”.

تدين الأمم المتحدة العنف إدانة قاطعة. ونحث على أن تظل الشفافية عنصرا أساسيا في التحقيقات التي أطلقتها السلطات في هذه الحوادث، وأن تتم محاسبة الجناة.

وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو

وقالت إن العمل على معالجة الماضي والمصالحة قد بدأ، ولكن ما يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، معتبرة أن “التشجيع والخبرة الدولية يمكن أن يكملا الجهود الوطنية لدعم السلام والعدالة والمساءلة”.

ديكارلو اعتبرت أن الغارات الجوية والتوغلات الإسرائيلية في جنوب البلاد التي أدت إلى تفاقم الوضع الأمني، ودعت إسرائيل إلى الامتناع عن انتهاك سيادة سوريا ووحدة أراضيها. وقالت إن استئناف الحوار بين سوريا وإسرائيل بشأن الترتيبات الأمنية أمر بالغ الأهمية، وكذلك المشاركة الدولية والإقليمية القوية في هذا السياق.

تحديات أمنية إضافية

وكيلة الأمين العام الضوء سلّطت أيضا على استمرار التركيز المحلي والإقليمي والدولي على جهود مكافحة الإرهاب في سوريا، مع استمرار المخاوف بشأن “وجود مقاتلين إرهابيين أجانب وعودة تنظيم داعش”.

وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو – الأمم المتحدة

وأضافت أن انتشار الأسلحة التقليدية والتحديات المتعلقة بإدارة المخزونات تمثلان تحديا أمنيا إضافيا، وأن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة “ما تزال تقتل وتشوه السوريين يوميا”.

“كل هذا يشير إلى ضرورة أن يصاحب الانتقال السياسي برنامج سوري لإصلاح القطاع الأمني ​​ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج”.

وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، روزماري ديكارلو

المسؤولة الأممية، شدّدت على أن التعافي الحقيقي لا يمكن أن يبدأ إلا من خلال محاسبة شاملة على الماضي، بما في ذلك معالجة مصير المفقودين، وضمان المساءلة عن الفظائع، “ومواجهة أهوال الحرب دون أي مساومة”.

وأضافت أن الحوار الشامل بين جميع مكونات المجتمع السوري، والمصالحة الوطنية الحقيقية، ورفع العقوبات، والدعم الدولي المستمر، ستكون ضرورية لأمن سوريا والمنطقة، فضلا عن استعادة ثقة المستثمرين ووضع الأساس لإعادة إعمار البلاد.

متطلبات رئيسية

بدورها، قالت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جويس مسويا، إن نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا سيعتمد على العديد من الإجراءات، ولكن من أهمها خفض مستوى الاحتياجات “في أزمة كانت تعد من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم”، فضلا عن تقليص حجم العمليات الإنسانية في البلاد.

واعتبرت مسويا، أن اللحظة الراهنة منحت سوريا “فرصة لخفض هذه الاحتياجات بشكل نهائي”، ولكن لتحقيق ذلك بوتيرة سريعة وعلى نطاق واسع، هناك ثلاث متطلبات رئيسية من المجتمع الدولي، تتمثل بـ دبلوماسية فعالة لنزع فتيل التوترات، وحلّ بؤر الصراع القائمة، ومنع اندلاع اشتباكات جديدة التي تقوض الاستقرار.

يجب دعم الاستثمارات في التنمية التي تدعم “الخطوات الملحوظة” التي قطعتها سوريا في إعادة الاندماج مع المجتمع الدولي، وهو أمر بالغ الأهمية لتعافيها وإعادة إعمارها، إلى جانب دعم استدامة وتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية على المدى القريب لتلبية الاحتياجات العالية المستمرة.

مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، جويس مسويا

وقالت إن حشد التمويل التنموي الملموس والموجه، وإعادة بناء الثقة في البيئة القانونية والمالية والأمنية في سوريا، سيكون أمرا بالغ الأهمية لخفض الاحتياجات الإنسانية.

وأكدت المسؤولة أن الأمم المتحدة تمكنت من الوصول إلى 3.4 مليون شخص شهريا، بزيادة قدرها 25 بالمئة عن العام الماضي، على الرغم من انخفاض مستويات التمويل. وقالت إنه مع بلوغ تمويل النداء الإنساني لعام 2025 نسبة 30 بالمئة فقط، “هناك ملايين أخرى من الناس لا نستطيع مساعدتهم”.

وتوقعت أن تظل الاحتياجات في سوريا هائلة في العام المقبل، مشدّدة على أنه ” من دون عكس اتجاه انخفاض التمويل، سيتخلف المزيد من الناس عن الركب، وستزداد مهمة التعافي صعوبة”.

واختتمت مسويا حديثها بالقول: “من النادر أن تتاح لأزمة بحجم سوريا مثل هذه الفرصة للتحول. لقد وفر العام الماضي سببا للتفاؤل يدفعنا إلى مضاعفة جهودنا. يجب علينا اغتنام هذه الفرصة”.