مؤسس ملفات قيصر: من منح الجلادين العفو ليجولوا بحراسات في دمشق؟

قال أسامة عثمان، مؤسس “ملفات قيصر” والمدير التنفيذي لمنظمة “قيصر من أجل العدالة”، إن عددا من المسؤولين المتورطين في جرائم تعذيب وقتل داخل معتقلات النظام عادوا إلى الظهور في دمشق بحماية كاملة، متسائلا عن الجهة التي منحتهم العفو، وعن حق من يملك “المسامحة بدماء السوريين”.

وجاءت تصريحاته في برومو نشرته قناة “DW” الألمانية لحلقة خاصة ستبث الجمعة، تتناول مستقبل العدالة في سوريا وخطر ضياع الأدلة في مرحلة ما بعد الحرب، تأتي هذه التساؤلات في لحظة حساسة تشهد فيها الساحة السورية نقاشا واسعاً حول العدالة الانتقالية، وإمكانية المحاسبة.

بعثرة الملفات وصمة عار للحكومة

في حديثه لبرنامج “سوريا لوين”، قال عثمان إن عدد الضحايا الذين تم التعرف عليهم من صور “قيصر” لا يتجاوز الربع في أحسن التقديرات، رغم مرور سنوات على تسريب الملف.

أسامة عثمان – المدير التنفيذي لمنظمة “قيصر من أجل العدالة”

ويرى أن هذا العجز ليس تقنيا فحسب، بل نتيجة غياب الإرادة السياسية في دمشق، وأيضا نتيجة بعثرة واسعة لملفات ووثائق الأجهزة الأمنية، واصفا ما يحدث بأنه “وصمة عار على جبين الحكومة الانتقالية” التي تُتهم بالتساهل في حفظ الأدلة.

ويشير عثمان إلى أن رمزية سجن صيدنايا اليوم، بوصفه مسرحا لواحدة من أفظع الجرائم الموثقة في سوريا، لا تقل عن رمزية سجن الباستيل في فرنسا.

وبرأيِه، فإن “الثورة السورية لم تنتهِ” طالما بقي مصير عشرات آلاف المعتقلين مجهولا، وطالما بقيت العدالة بعيدة المنال.

ويضيف أن النظام السابق اعتاد استخدام لغة التخوين ضد المعارضين، وأن وصف البعض اليوم بـ“الفلول” أو “الهجري” أو “القسدي” هو تكرار لخطاب الثمانينات حين كان النظام يصف معارضيه بـ“الأخونجي”.

عودة المتورطين.. وعدالة ناقصة

يتساءل عثمان: “كيف لي أن أرى مجرمين تخصص لهم الحراسة والمرافقة في قلب دمشق؟ من منح هؤلاء العفو؟ ومن يحق له أن يسامح بدماء السوريين؟”.

ويقول إن الحديث المتكرر داخل دوائر الحكم في دمشق عن “عدالة تصالحية” ليس إلا محاولة لفرض حدٍّ أدنى من الاعتراف وربما الاعتذار، دون أي محاسبة حقيقية، ما يعني – بحسب قوله – عدالة قائمة على تناسي ما جرى لا مواجهته.

وفي تصريحات سابقة لوكالة أسوشييتد برس، أكد عثمان أن “نظام بشار الأسد لم يسقط”، وأن “الأشخاص الذين نسعى لإدانتهم بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية خرجوا بعفو، وبعضهم عاد لتبوء مواقع داخل مؤسسات تتبع للحكومة المؤقتة”.

ويضيف أن فريقه مستمر في التوثيق ورصد الانتهاكات التي يرتكبها أي طرف، لأن العدالة لا يمكن أن تكون انتقائية أو جزءا من صفقات سياسية.

بالنسبة لعائلات المختفين والمعتقلين، لا يزال ملف قيصر نافذتهم الوحيدة لمعرفة الحقيقة. يقول عثمان إن رحلة التوثيق منذ عام 2014 كانت شاقة، وإن التحديات الأكبر لم تكن تقنية، بل سياسية وأمنية، لأن كشف أسماء الجلادين يهدد مصالح أطراف داخل سوريا وخارجها.

وبينما تنتظر ملايين السوريين أي خطوة نحو المحاسبة، يحذّر عثمان من أن الوقت ليس في صالح العدالة، وأن ضياع الوثائق وتغيير مواقع المسؤولين، ومحاولات “لملمة الماضي” في دمشق، تهدد بإغلاق الملف قبل الوصول إلى الحقيقة.