شتاء القنيطرة الأقسى.. الحطب يتحوّل إلى وسيلة موت في جباتا الخشب
مع ساعات الفجر، تنطلق عائلة أبو وائل، وهو رجل خمسيني من قرية جباتا الخشب في القنيطرة، مع شبّان وعائلات أخرى في رحلة يعرفون تفاصيلها، لكنهم لم يعتادوا مخاطرها، يحملون أدوات بدائية لجمع الحطب من أحراش قرية جباتا الخشب، التي باتت محاصرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي.
كل خطوة تخطوها العائلة داخل الأحراش تمثل انتصاراً مؤقتاً على الجنود المتمركزين فوق البرج الزراعي في محمية جباتا الخشب، لكن حين ينطلق صوت الرصاص، وتترافق معه عبارات وصفتها العائلة بـ"العنصرية"، يلقون أدواتهم أرضاً ويتراجع الجميع إلى خارج المحمية.
ويروي أبو وائل تفاصيل رحلته الأخيرة إلى موقع المحمية لجمع الحطب لموقع تلفزيون سوريا، قائلاً: "استغلّ الأهالي كثافة الضباب ودخلوا إلى أطراف الأحراش، لكن رصاص الاحتلال لم يكن تحذيرياً، بل مباشراً، ما أدى إلى إصابة شاب من القرية".
ويضيف: "تحمّلنا مصادرة الأراضي والخسائر، والدوريات الإسرائيلية التي تتجول في القنيطرة وتزرع الرعب في نفوس الأهالي، لكن هل يصبح جمع الحطب سبباً للموت؟".
جمع الحطب.. أداة موت جديدة في القنيطرة
ما حصل في آخر رحلة لأبي وائل ليس استثناءً، إذ تتكرر حالات إطلاق الرصاص المباشر على السكان في أثناء جمع الحطب، بحسب شهادات الأهالي.
حسين الرشيد، من بلدة جباتا الخشب، تعرّض لإطلاق نار مباشر من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في أثناء جمع الحطب، ما أدى إلى إصابته في يده وقدمه.
وخلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يقول حسين الرشيد: "الجنود يراقبوننا من البرج الزراعي، ويبدو أنهم ينتظرون حتى يتجمع عدد كبير من المزارعين، ثم يطلقون الرصاص التحذيري، وعندما نبدأ بإخلاء المكان يطلقون الرصاص المباشر، وكأنهم يتعمدون قتلنا".
ويتابع: "هذه الرحلة اليومية باتت طقساً قاسياً لأهالي القنيطرة، إذ لم يعد جمع الحطب مجرد عمل شاق، بل مغامرة خطرة تُمارس تحت تهديد السلاح، في ظل غياب بدائل للتدفئة".
الشتاء الأقسى والمازوت حلم بعيد
تُعد القنيطرة، الواقعة على ارتفاعات عالية، من أبرد المناطق السورية شتاءً، حيث تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر لأسابيع. وتحتاج المنطقة إلى كميات كبيرة من مادة المازوت مرتفعة الكلفة للتدفئة، ما دفع الأهالي، منذ سنوات وحتى اليوم، إلى الاعتماد على الحطب كبديل.
وبحسب عدد من الأهالي الذين قابلهم موقع تلفزيون سوريا، كان المازوت قبل سنوات، ورغم ندرته، يصل إلى بعض العائلات بكميات محدودة تسد حاجتهم لأسابيع، لكن اليوم أصبح سعره خيالياً مقارنة بدخل السكان، الذين يعتمد معظمهم على الزراعة الموسمية أو الأعمال الحرة الهشّة.
خالد المفلح، وهو مزارع من قرية جباتا الخشب، يقول لموقع تلفزيون سوريا: "لتر المازوت صار أغلى من وجبة طعام، إما الدفء أو الجوع أو الإصابة في أثناء جمع الحطب".
وبحسب خالد، تشهد محافظة القنيطرة أوضاعاً سيئة كل شتاء، لكن شتاء هذا العام هو الأقسى على الأهالي، سواء من حيث عدم القدرة على شراء المازوت أو حتى جمع الحطب.
ويتابع: "لم ترتح القنيطرة منذ 14 عاماً، فقد كانت الميليشيات الإيرانية تقطع الأشجار بشكل جائر لجمع الحطب، وتترك للأهالي أغصاناً وبقايا أشجار، واليوم تهدد إسرائيل حياتنا".
ومع غياب وسائل التدفئة، يلجأ أهالي القنيطرة إلى حرق البلاستيك والملابس القديمة والقمامة كبديل للحطب، ما يتسبب بروائح خانقة وأمراض تنفسية.
مطالبات بحلول عاجلة
أمام هذا المشهد القاتم، يرفع أهالي القنيطرة أصواتهم مطالبين بحلول عاجلة، سواء عبر تدخل الأمم المتحدة أو المنظمات المعنية بحقوق الإنسان.
وبحسب الأهالي، قدّم عدد من وجهاء بلدة جباتا الخشب والقرى المحيطة طلبات عدة إلى المحافظة لتأمين وسائل التدفئة، لكنهم في كل مرة يتلقون وعوداً من دون أي استجابة.
كما تقدم الوجهاء بطلب إلى دوريات "الأندوف"، التي تجري جولات ميدانية في المنطقة، للسماح لهم بجمع الحطب دون تهديد، أو تخصيص مناطق آمنة بعيدة عن الاحتكاك العسكري مع جنود الاحتلال الإسرائيلي.
ويطالب الأهالي المنظمات الإنسانية بإدراج القنيطرة ضمن خطط الاستجابة الشتوية، وتوفير وقود التدفئة أو بدائل آمنة، نظراً لما تعانيه من شتاء قاسٍ وانتهاكات إسرائيلية، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي خلّفها احتلال إسرائيل لأراضيهم الزراعية.
المطلوب ليس مساعدات بل ضغط حقوقي
في المقابل، يرى ناشطون في محافظة القنيطرة، تحدث إليهم موقع تلفزيون سوريا، أن المطلوب ليس مساعدات إنسانية فقط، بل ضغط حقوقي وإعلامي لوقف الانتهاكات وضمان وصول المدنيين إلى احتياجاتهم الأساسية.
ويشيرون إلى أن غياب التغطية الإعلامية الكافية أسهم بشكل رئيسي في استمرار هذه الممارسات من دون مساءلة.
ويرى الناشط والصحفي أحمد كيوان، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن ما يجري في القنيطرة يندرج ضمن الانتهاكات المتكررة بحق السكان المدنيين، إذ يُمنعون من الوصول إلى موارد طبيعية أساسية لبقائهم.
ويضيف كيوان أن إطلاق الرصاص التحذيري والمباشر تجاه مدنيين غير مسلحين، بينهم نساء وأطفال، "يشكل تهديداً مباشراً للحق في الحياة والأمان الشخصي، وهو مخالف للقانون الدولي الإنساني، خاصة في المناطق التي يُفترض أنها خاضعة لاتفاقيات وقف إطلاق النار".
انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني
وفق قواعد اتفاقيات لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، تنطبق قواعد القانون الدولي الإنساني في حالة الاحتلال عندما تتحقق السيطرة الفعلية لقوة عسكرية على أرض لا تملك سيادة عليها. وتشمل هذه القواعد التزامات تتعلق بحماية السكان المدنيين والحفاظ على ظروف حياتهم الأساسية.
وتنص قواعد القانون الدولي على أن القوة المسيطرة، في حالة الاحتلال، لا تكتسب سيادة على الأراضي المحتلة، لكنها مُلزمة باحترام القوانين المحلية القائمة والحفاظ على الحقوق الأساسية للسكان المدنيين، بما في ذلك توفير الاحتياجات الأساسية أو تسهيل وصول المدنيين إليها إذا كانت الموارد المحلية غير كافية.
وتنص المادة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه "يجب على القوة المسيطرة، إلى أقصى حد ممكن وبما تمتلكه من وسائل، ضمان توفير الغذاء والإمدادات الطبية وغيرها من المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين، إذا لم تكن موارد الأرض المحتلة كافية".
كما يشمل القانون الدولي الإنساني التزام القوة المسيطرة بتسهيل مرور الإغاثة الإنسانية من دون عوائق، لضمان وصول المساعدات والاحتياجات الأساسية إلى المدنيين.
وتكمن الإشكالية في ريف القنيطرة في أن منع المدنيين من الوصول إلى الحطب، الذي يُعد المصدر الوحيد للتدفئة لكثير من الأسر، قد يرقى إلى حرمانهم من احتياجات حياتية أساسية في ظل ظروف مناخية قاسية، في حال عدم توفير بدائل أو ضمانات للوصول الآمن، بما يتعارض مع الالتزامات المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً




