سوريا بعد "قيصر".. متى تبدأ الأسعار بالانخفاض وتتحسن القدرة الشرائية؟

يترقّب السوريون مرحلة اقتصادية جديدة عقب إلغاء عقوبات “قيصر”، وسط تساؤلات واسعة حول توقيت انعكاس هذا التحول على الأسعار والقدرة الشرائية التي تآكلت بشدة خلال سنوات الحصار.

وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي أسعد العشي أن أولى بوادر الاستفادة العملية من رفع العقوبات تبدأ من القطاع المالي، ولا سيما مع إزالة مصرف سوريا المركزي من قوائم العقوبات، ما يفتح الباب أمام عودة التحويلات المالية عبر القنوات النظامية والقانونية، بعد سنوات من التعقيد والكلفة المرتفعة والاعتماد على مسارات غير مباشرة.

قطاعات كانت محاصرة تستعيد أنفاسها

يشير العشي خلال تصريحات صحفية، إلى أن رفع العقوبات لا يقتصر على المصارف فحسب، بل يشمل أيضًا إلغاء العقوبات الثانوية التي كانت مفروضة على توريد المشتقات النفطية إلى سوريا، إضافة إلى رفع القيود التي فرضها قانون قيصر على قطاعات حيوية، أبرزها العمران والبناء.

ويعتبر أن هذه الخطوات تمثل كسرًا فعليًا لحالة العزل الاقتصادي التي رفعت كلفة أي نشاط إنتاجي أو خدمي داخل البلاد، ودفعت الأسعار إلى مستويات غير منطقية قياسًا بدخل المواطن.

وأفاد بأن الأثر الإيجابي لرفع العقوبات على حياة المواطنين لن يكون فوريًا، إذ يحتاج الاقتصاد إلى فترة انتقالية لامتصاص الصدمة الإيجابية وإعادة ترتيب قنوات الاستيراد والإنتاج والتسعير، إلا أن الفكرة الجوهرية تكمن في أن العقوبات كانت تضيف كلفة إضافية على أي سلعة مستوردة، سواء عبر ارتفاع أجور النقل، أو العمولات، أو المخاطر المرتبطة بالالتفاف على القيود، مؤكدًا أنه مع زوال هذه العقوبات، تصبح عمليات الاستيراد أكثر انسيابية وأقل كلفة، ما يُفترض أن ينعكس تدريجيًا على الأسعار في السوق المحلية.

موعد ظهور الأثر السعري

يتوقع العشي أن تبدأ ملامح انخفاض الأسعار بالظهور خلال فترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وهي المدة التي يحتاجها التجار والمستوردون لإعادة هيكلة سلاسل التوريد، وتوقيع عقود جديدة بشروط أفضل، وانعكاس ذلك على السوق الاستهلاكية، مشيرًا إلى أن هذا التراجع المحتمل في الأسعار يرتبط بتحسن نسبي في القدرة الشرائية، خاصة إذا ترافق مع استقرار في سعر صرف الليرة السورية.

في هذا الإطار، يلفت إلى أن فتح نظام الحوالات بشكل كامل، وحرية دخول وخروج الأموال، سيمنح سوق القطع درجة أعلى من الاستقرار، ويحد من المضاربات التي غذّت تقلبات سعر الصرف خلال السنوات الماضية، ومع تراجع المضاربة وارتفاع مستوى الثقة، قد تشهد الليرة تحسنًا تدريجيًا، أو على الأقل استقرارًا مستدامًا، وهو عامل أساسي في تعزيز القوة الشرائية للمواطن.

ومع ذلك، يشدد العشي على أن النتائج الشاملة لرفع العقوبات لن تظهر على المدى القريب جدًا، بل ستحتاج إلى وقت أطول لتترجم إلى تحسن ملموس في مستوى المعيشة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟

انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

قطاعات تتعافى سريعًا وأخرى تنتظر

يرى العشي أن الأثر الأسرع سيظهر في القطاعات التي كانت مشمولة بشكل مباشر بالعقوبات، مثل المصارف، وقطاع الإنشاءات، والطاقة، في حين أن انعكاسات القرار على الاقتصاد الكلي والنمو وفرص العمل ستتبلور على المدى المتوسط.

ويؤكد أن أخطر ما فرضه قانون قيصر لم يكن العقوبات المباشرة فقط، بل مبدأ “العقوبات الثانوية” التي كانت تُطبق تلقائيًا على أي شركة أو جهة أجنبية تتعامل مع سوريا، بغض النظر عن جنسيتها، ما جعل الاقتصاد السوري شبه معزول عن النظام المالي والتجاري العالمي.

وبيّن أنه مع إلغاء هذه العقوبات، تُرفع القيود عن قطاعات أساسية، أبرزها الإنشاءات، والنفط والغاز، والقطاع المالي، إضافة إلى العديد من المؤسسات الاقتصادية، مع بقاء عقوبات محدودة تطال أشخاصًا مرتبطين بالحكومات السابقة في عهد نظام الأسد.

الكرة في ملعب الحكومة السورية

في ما يتعلق بالمرحلة المقبلة، يرى العشي أن الكرة باتت في ملعب الحكومة السورية، التي يُفترض أن تبادر إلى وضع سياسة مالية واقتصادية واضحة، وخطة استراتيجية شاملة لإعادة الإعمار، تستند إلى الشفافية والحوكمة الرشيدة.

أي تحسن اقتصادي حقيقي لن يتحقق دون قضاء نزيه ومستقل، معتبرًا أن الثقة بالنظام القضائي شرط أساسي لجذب الاستثمارات، مهما كانت الحوافز الاقتصادية مغرية.

الخبير الاقتصادي أسعد العشي

كما يدعو إلى الالتزام بالشفافية الكاملة في إدارة الأموال العامة، ونشر البيانات والإحصاءات، والإفصاح عن الخطط والنتائج، محذرًا من مخاطر إنشاء كيانات موازية أو “شبه دولتية” قد تعيق بناء دولة مؤسسات حقيقية.

اندماج مالي مشروط بالإصلاحات

في السياق ذاته، يشدد العشي على ضرورة أن يطور المصرف المركزي سياسات صارمة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، بهدف إخراج سوريا من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، ما يسهّل إنشاء بنوك مراسلة، ويُسرّع اندماج القطاع المصرفي السوري مجددًا في النظام المالي العالمي.

ويأتي هذا النقاش في وقت دخل فيه إلغاء قانون قيصر حيز التنفيذ رسميًا، بعد توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه في 18 كانون الأول الجاري، إثر موافقة مجلسي النواب والشيوخ، لتصبح سوريا للمرة الأولى منذ نحو خمسين عامًا خارج منظومة العقوبات الاقتصادية الشاملة.

ذلك في تحول تاريخي يعلق عليه السوريون آمالًا واسعة بتحسن تدريجي في الأسعار ومستوى المعيشة، وإن كان ذلك مشروطًا بحسن الإدارة والسياسات الداخلية في المرحلة المقبلة.