أوجلان يوجه رسائل للعشائر.. ما موقف عرب الجزيرة السورية من الحكم اللامركزي؟

مع استمرار الجمود السياسي بين الحكومة السورية و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، عاد ملف شكل الحكم في شمال شرقي سوريا إلى صدارة المشهد، فقد ألمح مبعوث وزارة الخارجية الأميركية توم برّاك، في تصريحات أخيرة إلى دعم بلاده نموذجاً لامركزياً أو فدرالياً كصيغة محتملة للحل الدائم في سوريا.
هذا التصريح أعاد تسليط الضوء على موقف العرب في مناطق سيطرة "قسد"، حيث يشكّلون الغالبية السكانية، وتقدَّر نسبتهم بنحو 70% من قوام القوات نفسها، ما يجعلهم طرفاً أساسياً في أي نقاش حول مستقبل تلك المناطق.
ورغم توقيع “قسد” اتفاق 10 آذار مع الحكومة السورية، الذي تضمّن مبادئ للحوار والاندماج ضمن مؤسسات الدولة، يواصل قادة "قسد" الإصرار على نموذج حكم لا مركزي بصيغة فدرالية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى التزامهم بخيار التفاهم الوطني، وانعكاس هذا التوجه على المكون العربي من حيث المشاركة الفعلية في القرار أو تقبّل هذا النموذج، أم أن العرب سيبقون مجرد واجهة عددية؟
"قمع الموقف العربي"
يلتزم معظم العرب في مناطق سيطرة "قسد" الصمت إزاء مشروعها السياسي، لا قبولاً به، بل خشية القمع والاتهامات الجاهزة، ما أوجد حالة من "الرفض الصامت"، داخل الأوساط العربية تجاه مشروع الحكم اللامركزي.
وبين الحين والآخر، تشنّ "قسد" حملات دهم واعتقال تستهدف أبناء العشائر العربية بذريعة الانتماء إلى تنظيم الدولة (داعش)، في حين تشير تقارير ميدانية إلى أن هذه الاعتقالات تطول في الواقع من يُشتبه بانتمائه أو تعاطفه مع الدولة السورية.
آخر هذه الحملات استهدفت نحو خمسين شاباً من عشيرتي الجبور والبكارة في الحسكة، جميعهم مدنيون، وفق مصادر خاصة، وكان القاسم المشترك بينهم زيارتهم الأخيرة إلى العاصمة دمشق، وهو ما اعتُبر مؤشر "ولاء مرفوض" لدى "قسد".
الشيخ سالم العلي، شيخ عشيرة البوسبيع، يوضح: "العرب في مناطق سيطرة قسد يرفضون مشروع الحكم اللامركزي، لكن القبضة الأمنية تمنعهم من التعبير عن ذلك، فالجميع يعرف كيف يتم التعامل مع أي شخص يعارض مخططاتهم التقسيمية".
"مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات"
ويضيف البوسبيع، أنّ هناك تجمعات عشائرية عربية خارج مناطق سيطرة "قسد" تتحرك سياسياً ضد مشروع اللامركزية والتقسيم، وبعضها يلوّح باستخدام القوة إذا فُرض المشروع بالقوة.
ومن أبرز هذه التجمّعات "مجلس التعاون والتنسيق في الجزيرة السورية والفرات"، الذي أكد ناطقه هاشم الطحري قائلاً: "لن نقبل أي شكل من الفدرالية أو اللامركزية السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية، سواء صدرت من المبعوث الأميركي أو من غيره".
ومنذ الأيام الأولى من سقوط نظام المخلوع بشار الأسد، خرجت مظاهرات عربية في الرقة ودير الزور تطالب بعودة مؤسسات الدولة السورية، لكن "قسد" -التي تسيطر على المنطقة- واجهت المظاهرات بالقوة، ما أدّى إلى مقتل خمسة متظاهرين في الرقة وأحد عشر في دير الزور، وفق شبكات محلية.
لامركزية "وهمية" بواجهة حزبية
رغم رفع "قسد" شعار اللامركزية، يكشف الواقع عن نموذج حكم مركزي يحتكره تيار ضيق يتبع أيديولوجياً لـ"حزب العمال الكردستاني-PKK"، يعمل على إقصاء المكون العربي من مواقع الفعل والتأثير.
الباحث سامر الأحمد، ابن مدينة الحسكة، يرى أن ما تطرحه "قسد" ليس سوى واجهة سياسية لتثبيت سلطة أمر واقع: "ما تسميه قسد حكماً لامركزياً هو إعادة إنتاج لمركزية حزبية، إذ تُختزل السلطة في دائرة ضيقة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، فيما يُدفع بالمكون العربي إلى الهامش".
ويضيف الأحمد، أنّ هذه الصيغة تهدف إلى إبقاء سلطة "قسد" مفروضة على سكان الجزيرة السورية ومنع أي دور فعلي لأي حكومة سورية مستقبلية، وهو ما ترفضه العشائر والمجتمعات المحلية رفضاً قاطعاً.
أحد الأكاديميين من أبناء ريف الرقة الشرقي يؤكد أن "قسد" أقصت تدريجياً المكون العربي عن مواقع القرار رغم محاولاتها الأخيرة لاستمالة الرأي العام العربي عبر تحسين الخدمات أو رفع أسعار شراء القمح، لكن جوهر القرار بقي حكرًا على قياداتها الكردية.
"لامركزية على المقاس السوري"
في حين تصرّ "قسد" على طرح نموذج لنظام حكم لامركزي سياسي واسع يُثير كثيراً من الجدل، يبرز في المقابل صوت العرب في مناطق شمال شرقي سوريا، ليس لرفض مبدأ اللامركزية بحد ذاته، بل للمطالبة بصيغة واقعية وعادلة تراعي خصوصية سوريا.
رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، مضر حماد الأسعد، يؤكّد أنّ "أبناء العشائر يؤيدون لامركزية إدارية تُطبّق على جميع المحافظات السورية، وليس ضمن منطقة بعينها أو لصالح مكون دون آخر"، مشدّداً على ضرورة أن يُبنى أي نموذج للحكم المحلي على "المقاس السوري"، بعيداً عن النماذج المستوردة من الغرب.
ويرى الباحث سامر الأحمد، أنّ العرب لا يعارضون توسيع صلاحيات الإدارات المحلية، بل يطالبون بلامركزية إدارية ضمن دولة موحدة، تشبه التجارب في تونس أو تركيا، حيث تُدار المناطق محلياً دون مساس بالسيادة.
دراسات صادرة عن "المركز العربي لدراسات سورية المعاصرة" تؤكّد بدورها، أنّ اللامركزية الإدارية إذا طُبّقت بشكل متوازن، قد تشكّل مدخلاً لإنهاء التهميش وتحقيق شراكة عادلة، بعيداً عن الطروحات الفدرالية أو الإثنية.
العرب للحكومة: لا شرعية لـ"قسد" على حسابنا
رغم استمرار سيطرة "قسد" على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا، يترقّب العرب موقفاً حاسماً من الدولة السورية يترجم إرادة الغالبية على الأرض.
الشيخ فرج حمود الفرج السلامة، أحد وجهاء عشيرة البوشعبان، يتساءل: "هل ستستمع الدولة لرأي سكان المنطقة أم سترضخ للضغوط الأميركية التي تدفع لشرعنة سلطة قسد؟".
ويؤكّد أنّ العرب، وهم يشكلون الغالبية، لن يقبلوا بأن يُستثنَوا من مستقبل مناطقهم لحساب فئة لا تُمثّلهم، مشيرًا إلى أن كثيرًا من الأكراد أنفسهم لا يتفقون مع مشروع "قسد".
ويتوافق هذا الموقف مع تصريحات هاشم الطحري، الذي شدّد على تمسّك العرب بسوريا الموحدة واستعدادهم لكل السيناريوهات، وعلى تمسّكهم بسيادة الدولة، ورفض أي أوهام انفصال أو ميليشيات عابرة للحدود.
هذه المواقف الشعبية تتناغم مع الخطاب الرسمي للدولة السورية، التي أكّدت أكثر من مرة، أنّ الحوار مع "قسد" لا يتم إلا تحت سقف السيادة ووحدة الأراضي، ومن دون أي نموذج سياسي يكرّس التقسيم أو يمنح سلطة دائمة لأي طرف خارج إطار الدولة.
رسالة "أوجلان" إلى العشائر العربية
يشار إلى أنّ الزعيم الكردي المعتقل في تركيا، عبد الله أوجلان، وجّه رسالة إلى شيوخ ووجهاء العشائر العربية في الجزيرة السورية، دعاهم فيها إلى تعزيز روابط الأخوّة مع الكرد ودعم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في مواجهة التحديات.
وقال أوجلان، في الرسالة المؤرخة في 27 تموز الماضي ونشرتها وكالة "هاوار"، أمس الأحد، إنّ "العلاقة التاريخية بين العرب والكرد تشكل الضمانة الأساسية لوحدة سوريا واستقرارها"، مشدداً على مشروع "الأمة الديمقراطية" كإطار جامع لبناء دولة آمنة وديمقراطية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه