حظر استيراد السلع الأساسية.. هل ينجح في حماية السوق أم يفاقم أعباء السوريين؟

أثار قرار اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير بوقف السماح باستيراد قائمة واسعة من المنتجات الزراعية واللحوم البيضاء خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر الجاري، موجة من التساؤلات والانتقادات في الأوساط الاقتصادية، وسط مخاوف من تفاقم الأسعار وتعزيز الاحتكار، في ظل واقع اقتصادي ومعيشي بالغ التردي.

ويشمل القرار الصادر، الثلاثاء، حزمة كبيرة من المحاصيل أبرزها البطاطا، والليمون، والحمضيات، والرمان، والتفاح، بالإضافة إلى الخضراوات الورقية مثل الملفوف والقرنبيط والخس، ومحاصيل أخرى كالبندورة، والباذنجان، والفليفلة، والزيتون وزيت الزيتون.

توسع الحظر

لم يقتصر المنع على المحاصيل الزراعية، بل شمل أيضًا قطاع اللحوم البيضاء ومشتقاتها، حيث طال الحظر البيض والفروج الحي والطازج والمبرد وأجزاءه.

وفي تبريرها وصفت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية القرار بأنه يأتي ضمن سلسلة إجراءات حكومية متصاعدة وممنهجة تهدف إلى دعم الإنتاج المحلي وتنظيم حركة الأسواق الداخلية.

ويأتي هذا القرار، الذي أعلنته الهيئة في بيان لها، مرتكزًا على الرزنامة الزراعية المعدة مسبقًا والمتابعة الدقيقة لواقع الأسواق، مؤكدة أن الهدف الأساسي هو حماية المنتج الوطني من المنافسة الخارجية غير المنضبطة خلال موسم الإنتاج.

وشددت الهيئة على إلزام إدارة الجمارك العامة بعدم قبول أو تسجيل أي بيان جمركي يتضمن الأصناف المشمولة بالحظر، مع التهديد باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين، والتي قد تصل إلى حد إعادة الشحنات على نفقة المستوردين.

سلع أساسية.. وتفاوت أسعار

تُعد السلع التي شملها قرار منع الاستيراد من المواد الأساسية على مائدة العائلة السورية، لا سيما الخضراوات والبيض والدجاج، وهي سلع يتفاوت سعرها بشكل ملحوظ بين محافظة وأخرى، بل وحتى داخل المحافظة الواحدة بين الريف ومركز المدينة.

يعزى هذا التفاوت إلى عوامل متعددة، أبرزها نوع السلعة وجودتها، وتكاليف النقل، واختلاف إيجارات المحال، فضلًا عن تباين العملة المتداولة وقيمة تصريفها، حيث تعتمد مناطق إدلب وريف حلب بشكل أساسي على الليرة التركية.

ووفقًا لأسعار الصرف عند إعداد هذا التقرير، يعادل الدولار الأميركي نحو 12,100 ليرة سورية، و42.28 ليرة تركية، وهو ما يعكس هشاشة الواقع الاقتصادي في البلاد.

تُظهر الأرقام الأممية أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر، فيما يعاني واحد من كل أربعة من البطالة، كما يعتمد ثلاثة من كل أربعة على المساعدات الإنسانية، في ظل عجز كبير عن تلبية متطلبات الحياة الأساسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟

انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

جدل بين الإيجابيات والمخاوف

في تعليق على هذا القرار، أشار رئيس لجنة سوق الهال بدمشق، محمد العقاد، إلى أن الإجراء يحمل في طياته إيجابيات وسلبيات متوازنة، فمن جانب، يقر العقاد بأن الحظر يسهم بشكل طبيعي في دعم الفلاحين ومنحهم فرصة مثالية لتسويق محاصيلهم دون التعرض لمنافسة خارجية مباشرة، لا سيما في الأصناف الموسمية، بحسب “العربي الجديد”.

ومن جانب آخر، يحذر العقاد من أن بعض المنتجات التي قد لا تتوفر بكميات كافية محليًا قد تشهد نقصًا في الأسواق، مما قد يفضي إلى ارتفاع مفاجئ في الأسعار في الفترة الأولى لتطبيق القرار، مؤكدًا على أن تنظيم الاستيراد يجب أن يترافق مع آلية مراقبة صارمة لضمان توازن السوق وحماية القدرة الشرائية للمستهلكين.

ويضيف أن التنسيق بين المنتجين المحليين والجهات الجمركية حيوي لضمان توافر الخضراوات والفواكه الطازجة، لافتًا إلى وفرة بعض الأصناف في الموسم الحالي مقابل حاجة بعضها الآخر إلى استيراد محدود لسد العجز.

دفاع “الفلاحين” عن القرار

في سياق متصل، أكد الاتحاد العام للفلاحين على وفرة المنتجات الزراعية المحلية هذا الموسم، مشيرًا إلى أن الكميات المتوفرة والمواصفات العالية تتيح تأمين حاجة الأسواق دون الحاجة إلى استيراد إضافي.

أوضح مدير العلاقات العامة في الاتحاد، بسام الحسين، أن تنظيم الاستيراد في كانون الأول هو إجراء يندرج في إطار إدارة السوق بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الإنتاجية، مشددًا على أن الحفاظ على قيمة المنتج المحلي يمثل ضرورة اقتصادية وتنموية، خاصة وأن إنتاج العديد من المحاصيل يعتمد على موارد مائية وجهود مضنية من المزارعين.

ومع ذلك، يظل التحدي الأكبر يتمثل في قدرة الأسواق على التكيف مع هذا الوقف، خاصة في ظل تقلبات العرض خلال الفترات الموسمية، ويشدد خبراء اقتصاديون على أن توقف الاستيراد قد يزيد الضغوط المعيشية على المستهلكين إذا لم يتم متابعة دقيقة لتوافر الكميات والأسعار.

الخطر الكامن

يوضح العقاد أن موازنة حماية المنتج المحلي مع تأمين حاجات المستهلكين هو التحدي الرئيسي، مؤكدًا متابعة لجنة سوق الهال اليومية للأسواق للعمل مع الجهات الرسمية لضبط الأسعار وتوفير المخزون.

كما نبه إلى أن الإجراءات الحالية وإن كانت تتيح للمزارع المحلي تحقيق أرباح أفضل وتحد من تهريب المحاصيل، إلا أن أي تأخير في الرقابة أو تسجيل المخالفات الجمركية قد يغذي السوق السوداء.

وفي المحصلة، يعكس قرار اللجنة الوطنية للاستيراد والتصدير سياسة اقتصادية واضحة المعالم ترمي إلى دعم المنتج الوطني، لكن نجاح هذه السياسة يتوقف على مدى قدرة الأسواق المحلية على تلبية الطلب وضمان توازن العرض والأسعار، لا سيما في الأصناف التي تحتاج إلى توريد مستمر.

وتظل متابعة تأثير القرار على حركة السوق والأسعار خلال الشهر الحالي مؤشرًا حاسمًا على نجاح هذه السياسة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للفلاحين والمستهلكين على حد سواء.