تكشف وثائق وملفات حصل عليها صحفيون بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، عن سجل مرعب من الانتهاكات التي ارتكبت في الأفرع الأمنية وتورط وكالات تابعة للأمم المتحدة بضخ ملايين الدولارات لأجهزة استخبارات النظام في سوريا.
وجاء ذلك اعتماداً على مجموعة من وثائق وسجلات الاستخبارات السورية السرّية التي حصلت عليها “هيئة الإذاعة الألمانية” (NDR) وشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين (ICIJ)، إذ كشفت البنية الداخلية لأجهزة أمن الأسد وصلاتها بحكومات أجنبية ومنظمات دولية.
“ملف دمشق”
عشرات الآلاف من الصور والوثائق التي كانت سرية للغاية تكشف معطيات جديدة عن الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد. وتُظهر هذه المواد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبها النظام حتى قبيل سقوطه في كانون أول/ديسمبر 2024، ما يسلط ضوءًا جديدًا على مدى وحجم منهجية هذه الفظائع.
حياة التركي، 27 عامًا، تشير بيديها وهي تقف وسط متعلقاتها المتناثرة داخل سجن صيدنايا، الذي كان يُعرف بأنه مسلخ في ظل حكم بشار الأسد في سوريا 11 كانون أول/ديسمبر 2024 – “رويترز”
يقدم “ملف دمشق” -وهو تحقيق يستند إلى مجموعة تضم أكثر من 134 ألف سجل أمني واستخباراتي سوري حصلت عليها هيئة الإذاعة الألمانية وشاركتها مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين و24 شريكاً إعلامياً- لمحة غير مسبوقة عن آلة القتل التي يستخدمها نظام الأسد، بحسب ما نشر “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”.
مشروع “ملفت دمشق” يكشف كيف حوّل مسؤولون سوريون حياة البشر إلى مجرد أوراق. فشهادات الوفاة الموقّعة من أطباء مستشفيي حرستا وتشرين العسكريين سيئي الصيت، تُدرج سبب الوفاة بشكل شبه موحّد على أنه “توقف قلبي تنفّسي”. الوثائق تكشف عن قتل ممنهج مارسه نظام الأسد بحق المعتقلين.
بعد الإطاحة بالأسد، سمح حكام سوريا الجدد للمواطنين لفترة وجيزة بتصوير وثائق في فروع أمن النظام السابق، لكنهم منعوا أي شخص من نقل الوثائق الأصلية. ومع ترسيخهم للسلطة، أغلقوا الوصول إلى أرشيفات النظام السابق. ورغم تشكيلهم لجنةً للكشف عن مصير المختفين، إلا أن ذلك ترك عائلاتٍ مثل عائلة النجار في حيرةٍ من أمرها بشأن موعد حصولها على أبسط المعلومات.
تمكّن مراسلو “هيئة الإذاعة الألمانية” من التحدث إلى الضابط الذي قام بتهريب الصور من منشأة عسكرية خلال الأيام الأخيرة من حكم نظام الأسد. وكان الضابط حتى نهاية عام 2024 رئيس ما يُعرف بـ”قسم توثيق الأدلة” في الشرطة العسكرية بدمشق.
وقال إن دافعه كان أنه “تمت إزهاق أرواح الكثير من البشر، ويجب أن تعرف العائلات أين هم أقرباؤها”. ويرى هذا العسكري أنه لا يتحمل أي ذنب، ويقول إن مهمته ووحدة عمله كانت تقتصر فقط على توثيق الوفيات.
يتضمن الملف إلى جانب الصور عشرات الآلاف من وثائق أجهزة المخابرات السورية، من قبيل مكالمات هاتفية تم التنصت عليها، وقوائم بأسماء عسكريين، وشهادات وفاة معتقلين.
أطباء متورطون في ألمانيا
صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، قالت إن التحقيق كشف أن أطباء سوريين ممن أخفوا أدلة التعذيب التي مارسها نظام الأسد في شهادات الوفاة يمارسون الطب الآن في أوروبا.
إذ بينت التحقيقات أن أطباء في مستشفى “حرستا العسكري” بدمشق كانوا يوقعون شهادات وفاة معتقلين، ويكتبون دائمًا “توقف القلب” كسبب للوفاة بغض النظر عن السبب الحقيقي، وأحيانًا دون رؤية الجثث أصلًا.
كما يروي معتقلون سابقون نُقلوا إلى مستشفى حرستا أن هناك “طابقًا مخصصًا للتعذيب”. وقد أكد أطباء سابقون من المستشفى هذه الممارسات في شهاداتهم لـ “هيئة الإذاعة الألمانية” ووكالات أخرى. وتوصلت التحقيقات إلى أن عددًا من هؤلاء الأطباء يعملون اليوم في ألمانيا، وقد نفوا جميعًا أي مسؤولية.
إضافة إلى ذلك، كان مستشفى حرستا مكانًا لتوثيق الجثامين ومحطة لنقلها. ويظهر أن الكثير من صور الجثث التي التقطتها الشرطة العسكرية صُوّرت في قبو المستشفى.
ووفقًا للتحقيقات، فإن النيابة العامة الاتحادية الألمانية تمتلك نسخًا من هذه الصور وتعمل على تحليلها. وهي جزء من إجراءات تحقيق هيكلية تتعلق بسوريا، وقد لعبت صور مشابهة دورًا مهمًا فيها سابقًا. وقال المدعي العام الاتحادي ينس رومل، إن “الصور التي بحوزتنا حول سوريا تكمل إفادات الشهود، فهي توضح للجميع بشكل ملموس وموضوعي ما تعرض له الأفراد.”
وتشير التحقيقات إلى أن النيابة الألمانية تجري حاليًا عشرات التحقيقات، وقد استجوبت أكثر من 2000 شاهد ضمن التحقيقات المتعلقة بسوريا.
أموال الأمم المتحدة
تكشف وثائق “ملفات دمشق” استفادة نظام الأسد من علاقاته مع وكالات تابعة للأمم المتحدة كان يفترض أن تقدّم المساعدات للمدنيين السوريين. فخلال سنوات الحرب، دفعت هذه الوكالات ما لا يقل عن 11 مليون دولار لشركة أمنية سورية خاصة كُلّفت بحماية مكاتب الأمم المتحدة، ليتبيّن الآن أن هذه الشركة مملوكة من أجهزة استخبارات الأسد وتخضع لسيطرتها.
على الرغم من التحذيرات التي أطلقتها منظمات حقوقية عام 2022 بشأن ارتباط الشركة بالنظام، استمرّ التعاقد معها لعامين إضافيين، ما أدى إلى ضخّ ملايين الدولارات لصالح الجهات نفسها المتّهمة بتعذيب السوريين وقتلهم.
كما تكشف إحدى المذكرات التي عثر عليها فريق التحقيق والصادرة عن وزير الخارجية آنذاك فيصل المقداد، أن النظام كان يتوقع من موظفي شركات الأمن السورية التجسّس على موظفي الأمم المتحدة لصالح أجهزة الاستخبارات السورية.
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
اقرأ أيضاً



