Syria News
جاري تحميل الأخبار العاجلة...

حكايات رجال سوريين.. قلق الآباء من العزلة الرقمية والانقسام المجتمعي والجفاف

الخميس، 18 سبتمبر 2025
حكايات رجال سوريين.. قلق الآباء من العزلة الرقمية والانقسام المجتمعي والجفاف

في دمشق وضواحيها، وفي القرى والريف السوري، يعيش رجال من مختلف الأعمار تجارب يومية تعكس واقعهم بطريقة صادمة أحياناً ومليئة بالتحديات دائماً. سامر (54 عامًا) يراقب ابنته المراهقة الغارقة في عالم الإنترنت، ويكشف عن أزمة الانغماس الرقمي وتأثيره على الأبناء. خالد (30 عاماً) يواجه تبعات الانتماء لمناطق محددة، ويكشف عن أثر المناطقية على فرص الشباب في التعليم والعمل والحياة اليومية. حسن (55 عامًا) المزارع المخضرم في ريف حماة، يقاوم آثار الجفاف وانخفاض إنتاج العسل، ويحكي عن الصعوبات اليومية للأسر الريفية واستمرار الحياة الزراعية وسط تحديات طبيعية واقتصادية.

بين الهاتف والواقع: سامر يراقب ابنته المراهقة

في شقته بضواحي دمشق، يجلس سامر، 54 عاماً، على طاولة صغيرة يشرب فنجان الشاي، ويراقب ابنته البالغة 14 عامًا وهي غارقة في عالم الإنترنت على هاتفها المحمول. يقول: "أحس أنني أعيش معها وجانبها الحقيقي غير موجود. كل يوم ساعاتها الطويلة على الهاتف تجعلها تتراجع عن الدراسة، تبتعد عن أصدقائها الواقعيين، وحتى عن العائلة." ويضيف: "الموضوع صار أكبر من مجرد استخدام الهاتف. وزاد قلقي عندما قرأت دراسات تشير إلى أن الانغماس الرقمي يؤثر على التطور النفسي والاجتماعي للمراهقين ويزيد من مشاعر الوحدة والقلق. أنا أشعر بالعجز، وأعرف أن كل أب يمر بنفس القلق."

تجربة سامر تمثل قضية أكبر بكثير من الأبناء الفرديين؛ فقد أظهرت تقارير منظمة الصحة العالمية (2021) واليونيسيف (2022) أن المراهقين الذين يقضون أكثر من 6 ساعات يومياً أمام الشاشات يميلون إلى الانعزال، انخفاض التواصل الاجتماعي، وضعف المهارات الحياتية. وفي سوريا، دراسة صادرة عن مركز دراسات الشباب السوري (2020) رصدت ارتفاع ساعات استخدام الهواتف والإنترنت بين الطلاب في المدارس الثانوية، مع انخفاض ملحوظ في النشاطات الواقعية والتواصل الأسري، ما يزيد من التوتر النفسي والعزلة. سامر يحاول إيجاد حلول: تخصيص أوقات للحديث مع ابنته، تشجيع النشاطات الواقعية، وقضاء وقت خارج المنزل، لكنه يعترف بصعوبة المهمة: "أريد أن أفهم عالمها الرقمي وأشاركها فيه، لكن بنفس الوقت أريد أن تتعلم كيف تكون إنسانة متوازنة." قصته تكشف وجهًا جديدًا من أزمة الانعزال الرقمي في سوريا: تأثير التكنولوجيا على الأبناء، الضغوط اليومية على الآباء، والحاجة الملحة لتوفير توجيه تربوي ومجتمعي في ظل غياب المساحات الآمنة، إلى جانب زيادة الوعي بخطر الانغماس الرقمي الطويل على الصحة النفسية.

بين الكواليس والاعتكاف: رامي المسرحي وصوت الفن المفقود

في غرفة صغيرة على سطوح دمشق، يجلس رامي، 45 عاماً، المسرحي المخضرم، محاطاً بملصقات القديمة لعروض مسرحية. يقول بصوت يمزج الحزن بالشغف وهو يقلب صفحات مسرحية "جثّة على الرصيف": "توقفت عن العمل في المسرح لمدة 11 سنة بعد أن أصبحت مطلوباً للخدمة العسكرية، فقررت الاعتكاف في السويداء. لم يكن القرار سهلاً، لكن كان الخيار الوحيد للحفاظ على مبادئي وسلميّتي."

يكمل: " بعد سقوط النظام، أتيت إلى دمشق متحمساً لاستعادة الحياة المسرحية، لم أتفاجأ بتردّي الثقافة العامة وتراجع المسرح نتيجة الحروب والظروف الاقتصادية والسياسية التي أثرت على المجتمع كله، صحيح أنني لم أتفاجأ ولكن محزن جداً هذا البعد عن المسرح."

ويضيف: "المسرح بالنسبة لي ليس مجرد عرض أو نص، بل نافذة على المجتمع، أداة للنقد، وللتمكين من التفكير. أن تتوقف عن ممارسة ما تحب لأكثر من عقد من الزمن يعني أن جزءاً منك يظل حبيساً."

تجربة رامي تعكس أزمة أوسع: توقف الحياة الثقافية في سوريا وتأثير الظروف السياسية والاجتماعية على الهوية المجتمعية، حيث يفتقد المجتمع منبرًا حيوياً للتعبير عن أفكاره وقضاياه.

رغم كل ذلك، يحاول رامي أن يبقي شعلة الفن حية من خلال إعادة قراءة أفضل النصوص المسرحية القديمة، متابعة شباب المسرحيين، والمشاركة في ورش العمل الصغيرة. قصته تبرز أزمة الثقافة والفن في سوريا، وتأثير التحديات الاقتصادية والسياسية على الإبداع، مع رسالة واضحة: الفن جزء أساسي من المجتمع، وغيابه يترك فراغاً نفسياً واجتماعياً عميقاً.

بين الأرض والمياه: حسن المزارع وصراع الريف في ظل الجفاف

في بيت ريفي بسيط بضواحي حماة، يجلس حسن، 55 عاماً، المزارع المخضرم، محاطاً بأدوات الزراعة القديمة. يقول بصوت يملؤه الإصرار والحزن: "الجفاف هذه السنة كان قاسياً أكثر من أي وقت مضى. المياه أصبحت محدودة، الري متقطع، والمحاصيل تتعرض للفشل. حتى تربية النحل التي كانت مصدر دخل إضافي للعائلات الريفية تضررت، وإنتاج العسل انخفض بشكل كبير، وهذا أثر مباشرة على دخلنا وعلى قدرة المجتمع المحلي على الاعتماد على منتجاته."

ويضيف حسن: "الزراعة والنحل ليست مجرد عمل، بل قلب الحياة الريفية. من دون مياه كافية وإنتاج مستمر، الشباب يهاجرون للمدن أو الخارج، والقرى تفقد حيويتها. أرى حاجة ملحة لتطوير أنظمة ري ذكية، دعم صغار المزارعين، وتأمين موارد مستدامة للمياه، بالإضافة إلى دعم مشاريع تربية النحل، لتبقى الأرض مصدراً للأمان والاستقرار للأسر الريفية."

تجربة كريم تعكس أزمة أوسع: الجفاف يهدد الأمن الغذائي واستقرار الأسر، ويزيد من الضغط على المجتمعات المحلية التي تكافح للحفاظ على حياتها وإنتاجها. قصته تبرز الصعوبات اليومية للمزارعين السوريين الذين يكافحون في مواجهة الطبيعة، وتوضح كيف تؤثر الظواهر المناخية على جوانب محددة مثل إنتاج العسل، مع التأكيد على الحاجة إلى سياسات فاعلة ودعم عاجل لضمان استمرار الزراعة وحماية الأجيال القادمة من آثار الجفاف المتكرر.

قصص سامر وخالد وحسن تفتح نافذة على حياة جيل كامل من السوريين، حيث تتشابك القضايا الشخصية مع الواقع الاجتماعي والسياسي والطبيعي. كل تجربة فردية ليست منعزلة، بل جزء من واقع أوسع يعكس التحديات اليومية التي تواجه المجتمع: من تأثير التكنولوجيا على الأبناء، إلى الانقسامات المجتمعية، وصولاً إلى الصراعات مع الطبيعة والجفاف في الريف.

Loading ads...

السلسلة لن تنتهي عند هذا الحد؛ فكل يوم سنفتح الباب لمجموعة جديدة من الرجال ليحكوا ما يشغلهم، ونخلق مساحة حقيقية يسمع فيها كل شخص، حيث يتحول صوت الشارع، بأفراحه وهمومه، إلى تقرير حي وواقعي يعكس مجتمعنا كما هو، بكل صعوباته وآماله.

لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه